بعد جولة مشروع النيل في ثلاث محافظات مصرية من إسكندرية لأسوان، تشهد القاهرة حاليا مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز بمشاركة فنانين وموسيقيين من مختلف دول العالم.
وبعد أيام تبدأ فعاليات مهرجان «دى- كاف» في وسط البلد والذي يستمر لمدة عشرين يوما ليصبح أضخم مهرجان للفنون المعاصرة تشهده القاهرة منذ سنوات طويلة، حيث تتنوع فعالياته، من المسرح، الرقص المعاصر، الندوات الثقافية، عروض الفن المعاصر، الموسيقى، إلى عروض السينما.
الأسبوع الماضي في حديقة الأزهر كان من المدهش أن تشهد التفاعل على المسرح بين فنانين من مصر، السودان وإثيوبيا ودول حوض نهر النيل، وتشهد انعكاس هذا على الجمهور وكيف يستقبله.
بداية من الاندهاش من إيقاع موسيقى النيل الأفريقية ثم الضحك والسخرية المصرية المعتادة من أي شيء غريب، ثم الاندماج والتفاعل مع الموسيقى والمشاركة في الغناء.
كان المشروع الموسيقي هو تقريبا الخطوة الأولى والوحيدة التي يلتقي فيها جمهور مصري مع ثقافة من وادي النيل الذين يتقاسم معهم الماء، ولا يعرف عنهم سوى السخرية من أصحاب البشرة السوداء في أفلام السبكي وعادل إمام، وأحاديث القادة والخبراء الاستراتيجيين عن المؤامرات الصهيونية الأفريقية. وللمفاجأة وجدوا أنهم بشر ذوو ابتسامة ساحرة وموسيقى تجمعهم، ولا حاجة للخوف إذا فتحنا أكثر نوافذ حوار وتعارف.
المهرجانات والمشاريع الثلاثة المذكورة تم تنظيمها من قبل جهات خاصة ومدنية، دون مشاركة أي جهات حكومية إلا هيئة تنشيط السياحة التي قد نلمح شعارها صغيرا على ملصقات المهرجانات. وهى تعد بمثابة افتتاح الموسم الثقافي المصري من مهرجانات وفعاليات أخرى تنظمها عشرات المؤسسات الثقافية المستقلة طوال الصيف. جميع هذه الأنشطة مفتوحة للجمهور ومعظمها يمكن حضورها بالمجان. وهي من الأشياء القليلة التي لا تزال تضخ الحياة في المدينة المحاصرة بنقاط التفتيش وتحذيرات التفجيرات الإرهابية.
المنظمون والمشاركون في تنظيم مثل هذه الفعاليات، هم الفنانون والمثقفون منتجو الفن الآن بغض النظر عن اختلافنا في تقييم مستوى ما يقدم. يحارب المنظمون لمثل هذه الفعاليات طوال العام لإيجاد التمويل اللازم لهذه الفعاليات، وللبحث عن الأماكن المناسبة لإقامتها، والشكر هنا لشركة الإسماعيلية التي تعيد فتح الكثير من المسارح والمباني التاريخية في وسط البلد لاستضافة مثل هذه الفعاليات.
لكن في عالم آخر وبينما يحدث كل هذا، يقوم رئيس الوزراء «محلب» بتجديد اختيار وزير الثقافة الأبدي د.محمد صابر عرب، وحينما يُسأل عن خطة عمل وزارته يتحدث عن سعيه للتنسيق مع وزارة الري وبذل أقصى الجهود لردم ترعة الصرف الصحي الواقعة مقابل متحف آدم حنين. وفي كوكب وزير الصرف الصحي، تُفتح أكبر قاعات مسارح الدولة لتقام احتفالات الزومبي التي يمنحونها أسماء براقة خادعة من نوعية «عيد الفن».
وقف الرئيس عدلي منصور يخاطب الزومبي في عيد الزومبي/ الفن، يطالبهم بألا يتركوا الساحة الفنية للعبث قائلا: «تصدوا لذلك بإنتاج فني حقيقي وأعيدوا إلى الفن بريقه». ثم أضاف المزيد من الرطانة والثرثرة التي يشتهر بها عن حرية الإبداع والرأي.
في الحفل ذاته يتم منع «محمد محسن» أحد الأصوات الشابة الجديدة من اعتلاء المسرح في اللحظات الأخيرة دون إبداء أسباب مع تلميحات لوجود تدخلات أمنية. لكن يتم فتح المسرح «للمطبلاتية والهتيفة»، حيث الفن الحقيقي لدى عدلي منصور هو أن يهتف الزومبي «بنحبك يا سيسي.. يا سيسي بنحبك.. وتحيا مصر».
الفن الحقيقي يحدث في الحدائق العامة والشوارع والميادين ويتكاتف المصريون للحفاظ على قدر من الفرح والبهجة في حياتهم، وهم يصارعون أجهزة الدولة للحصول على التراخيص أو إيجاد مسرح مناسب. لكن ليس هذا ما يريده صابر عرب، ولا رئيسه عدلي منصور، وطاقم مهرجي الملك المصاحبين له. الفن الذي يعرفونه هو فن «الهتيفة» منتجي المخدرات العقلية والمسلسلات التليفزيونية الرتيبة.
وظيفة الفن لدى عدلي منصور هي التطبيل والإلهاء، إن لم يكن بالمسلسلات العقيمة فبخلق الشائعات السخيفة، هل أنغام مغنية الحفل تزوجت عرفيا بأحمد عز؟ وهل عز هو أبو أبناء زينة؟ النميمة والسطحية والثرثرة الطنانة على طريقة أحمد ماهر ونور الشريف هي الفن الهادف الذي يريده منصور. لأنهم فشلة عاجزون غير قادرين على إنشاء أي شيء نافع أو حقيقي فاقدين للموهبة أو المعرفة، لا يدركون شيئا سوى إعادة إنتاج ما تم إنتاجه من قبل، ولهذا ففي عيد الفن بدلاً من الاحتفاء بالفن المصري الآن، ومحاولة دعم منتجيه الحقيقيين.
يتحول الاحتفال إلى تكريم للراحلين، وهم نفس الأسماء التي يتم تكريمها منذ 40 عاما، إلى جانب تكريم نخبة مختارة من المطبلاتية. ربما يتجسد جوهر هذا المشهد حينما اعتلت «نينا» ماجدة الصباحي المسرح لتتسلم درع تكريمها ففاجأت الجمهور ببقايا دلعها ومُحنها القديم وألقت قبلة للسيسي. والجميل هو غياب أي منطق أو شفافية في اختيار الزومبي المكرمين. فمثلا عزت العلايلي الذي كان ضمن اللجنة التحضيرية للاحتفالية، والذي ظهر جالسا بجوار هاني مهنى، وضع اسمه بنفسه في قائمة المكرّمين لكي يسلم على السيسي ويكمل مسيرته الأبدية في المحلسة لكل أشكال السلطة.
بدا المشهد كرقصة للزومبي في مهرجان للنفاق الرخيص. يطالب سيادة المشير الشباب بالتقشف وربط الحزام وأن يمشي للجامعة، لكن كم تكلف هذا البذخ والفشخرة في احتفال عيد الفن؟ ومن فعلا استفاد من هذا الإنفاق والمهرجان الذي حاصره الأمن وكان ممنوعا على أي مصري غير الزومبي والهتيفة دخوله. الإجابة، المستفيد منه كان شخصا واحدا. سيادة المشير السيسي، كله للسيسي.