ببساطة شديدة، أخرج عبدالله الكبيسي، مدير مكتب الشيخة موزة، لسانه للمفكر الوقور سعد الدين إبراهيم، وكذّب كل ما قاله عن لقائه بالشيخة موزة والدة حاكم قطر.
حاول د. إبراهيم أن يُجسر الفجوة بين مصر وقطر بطريقته المعروفة في «التجسير»، وهو حر في ذلك تمامًا، كما سعى للإعلان عن محاولته وتسويقها إعلاميًا وسياسيًا، وهو حر في ذلك أيضًا، لكن الكبيسي خرج على النص، وكشف فيما يُشبه «الفضح المقصود» ازدواجية خطاب سعد الدين، والازدواجية طبعًا لفظ مهذب لما أطلق عليه شباب الفيس أساليب فبركة وشغل أمريكاني وأفلام هندي، والحكاية أن الدكتور سعد صرح للإعلام بدعوة الشيخة موزة له للحضور إلى قطر، للتشاور في ورطة لن يحلها إلا العراب، فهي في قرارة نفسها وبينها وبين ربها ترى أن 30 يونيو ثورة شعبية وليست انقلابًا، وأن قناة الجزيرة احتلها الإخوان المسلمون وسيطروا على إدارتها رغمًا عن الأسرة الحاكمة التي تقف مكتوفة الأيدي لا تستطيع ردهم ولا تقوى على ردعهم (أي والله هذا ما قاله سعد الكبير)، لكن مدير مكتب الشيخة موزة فاجأ الجميع بتصريح للوكالة الرسمية لقطر نسف فيه هذا الخيال الإبراهيمي، وأكد الكبيسي أن أستاذ الاجتماع السياسي والمفكر الكبير بتاع التجسير هو الذي طلب اللقاء وليس العكس، بل وقال الكبيسي إن كل ما رواه د. إبراهيم عن اللقاء عارٍ من الصحة ولم يتطرق الطرفان لهذه الموضوعات من الأساس!
حاجة تكسف فعلًا، لكن د. إبراهيم رجل عاقل رابط الجأش، ولذلك أعطى الكبيسى عذرًا، واعتبر تكذيبه «رأيًا»، وكل واحد حر في رأيه وربنا يسامح اللي ما بيقولش الحقيقة، هذا ليس تعبيري ولكنه تعبير مفكر التجسير ردًا على استفسار فضائية مصرية عن التكذيب، وأضاف أنه يُكنّ كل التقدير للشيخة موزة، ودعا لها ولبلدها من قلبه: «سامحهم الله وفرّج كربهم، لأنهم محاصرون من إخوانهم في الخليج العربي»، هكذا قال لفضائية أخرى، معلنًا أنه خلص ضميره أمام الله، فهو داعية حوار وسلام للشعوب العربية، حريص على العلاقات العربية الموحدة!.
حاولت داليا زيادة، المدير التنفيذي لمركز ابن خلدون، الدفاع عن مؤسس المركز، فقالت لإحدى الصحف اليومية: «إنه ذهب إلى قطر بصفته الشخصية وتحدّث مع الشيخة موزة بشأن العالم العربي، وأبدى خلال اللقاء حزنه من حالة الانشقاق الواقعة بين الشعبين المصري والقطري، واقترح مبادرة بين الطرفين، لأن قطر في موقف صعب، لكن فيما يبدو أن المبادرة لم تُعجب الشيخة موزة ولا القيادة السياسية الجديدة في قطر، واعتبروا أن إبراهيم تجاوز صلاحياته وأسرف في الخيال، رغم أن الرجل كان يريد خيرًا، ويحاول إصلاح صورة قطر أمام الشعب المصري، وربما فعل ذلك من قبل في عهد الأمير حمد، ولكن الآن في عهد الأمير تميم الأمور اختلفت ولم يعد د.سعد الدين إبراهيم يحظى بنفس المكانة والقيمة.
لا أعتقد أن تكذيب إبراهيم سيؤثر كثيرًا في مسيرة رجل الاجتماع السياسي، فالأمر بسيط وهو يتقبله باعتباره من أعباء المهنة، وإذا كانت البضاعة لم تعجب هذا الزبون، فلنقدم له غيرها ولنعرض هذه على غيره، فصاحب كتاب «المثقف والأمير: تجسير الفجوة بين أصحاب الأفكار وأصحاب القرار» يدرك أنه ربما الجسر بينه وبين الأمير القطري الشاب في حاجة إلى إصلاح أو ربما أنه دُمر بالكامل، وذلك يحدث في الحياة كثيرًا، وفي عالم التجارة والبيزنس كما في عالم السياسة التي يؤمن بها إبراهيم. فالرجل يقدم بضاعته للجميع ولا يشغله في ذلك تباين المواقف والرؤى، فلقد قدم من قبل خدماته ليوغوسلافيا والسودان والعراق والسعودية والأردن ومصر وقطر....إلخ، أنظمة متباينة ولكن يجمعها أنها تطلب وتدفع، والرجل يؤمن بقواعد الاحتراف، الذي يلعب اليوم لفريق وغدًا لضده، فهو يقدم مفاهيم عالمية واسعة وفضفاضة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والأنظمة ويقدم للأنظمة حلول كيف تحصل على الأيزو في المجتمع الدولي، ولو كان العالم مازال يعيش بقيم القرن الماضي لتعامل مع إبراهيم باعتباره عميلًا أو «سمسارًا» قليل القيمة، لكن قيم العولمة المتسامحة صنعت لمثل هؤلاء «المثقفين الأرزقية» مكانة جيدة وسعرًا يغري آخرين، هذا بالإضافة إلى خدمات الرعاية وميزة «الجارانتي» التي تكفلها لهم ماما أمريكا، ويا أيها الخجل، لماذا اختفيت من أجوائنا كما اختفت الطائرة الماليزية؟
مي عزام
EKTEBLY @HOTMAIL .COM