ستعثر فى التسجيلات المسرَّبة دائمًا على نفسك، التسجيلات مرآتك الصادقة، قد تعتقد أنها كاشفة لطرفَى الحوار، لكنها فى الحقيقة كاشفة لشخصيتك، قَبولك الاستماع إليها أصلًا هو اختبار أول، قبولك أن تكون شريكًا فى التنصُّت بهذه البساطة يقول إنك قد لا تمانع فى سرقة نظرة باتجاه زوجة جارك وهى تقف بقميص النوم فى المطبخ، لا تمانع من أن «توطِّى» صوت التليفزيون حتى تفهم سرّ ثورة جارك على ابنه، لا تدافع أو تبرر، فهذه مصيبة أكبر، حرصك على التماس مَخرَج لهذا الحرج على أساس أن التسجيل مُتاح للجميع ولم يعُد سرًّا عبارة عن عورة جديدة فى شخصيتك، إذ إن الصح والخطأ عندك قطعة من المطَّاط، لذلك من الأفضل أن تعترف أن المشاركة فى التنصُّت خطأ، وكلنا بنغلط بمن فينا كاتب هذه السطور الذى شارك فى المأساة واستمع إلى بعض التسجيلات، لكن بما أن موضوع التسجيلات أصبح بمرور الوقت «حاجة عادية» فى هذا البلد التعيس، تعالى كل واحد يضرب اللى جنبه قلمين حتى يُفِيق وحتى نذكِّر أنفسنا بأن الأمر «مش عادى» وأنه خطأ من جملة أخطائنا.
طيب.. بما أن الخطأ قد حصل واعترفنا به، فتعالَ ننتقل إلى اختبار من اختبارات كشف الشخصية. هل فهمت ما سمعتَه بعقل موضوعى أم أنك سمعته بنفسية الزَّيَّاط الباحث عن فضيحة ولو حتى فضيحة بالشبه؟ هل ترجمت ما سمعته ترجمة سليمة أم أنك ترجمته بناءً على قواعد مشوهة سابقة التجهيز؟ هل وجدت فى ما قاله الفريق شفيق امتعاضًا ممَّا يحدث فى مصر الآن بدرجة تجعل الرجل يستمرّ فى العزلة والابتعاد وعدم المشاركة فيه (على نهج البرادعى)، أم أنك وجدت فيه رجلًا يطمع فى السلطة ويشعر بالأسى لأن فرصة الإمساك بها ضاعت (على نهج سامى عنان)؟ موقفك من الفريق -وهو جزأ من شخصيتك- سيحدِّد الإجابة. هل لاحظت أن أقصى بذاءة وطولة لسان ممكنة عند البرادعى هى استخدام كلمة «زبالين»، وهى شتيمة انتهت من السبعينيات، وأن ما قاله فى التسجيل هو نفسه ما قاله أمام الجميع بخلاف أنها وجهة نظر ثبتت صحتها أصلًا فى ما بعد، أم أنك لاحظت أن البرادعى كالعادة خائن ومتواطئ ولا يتحمل مسؤولية ولا يحب مصر؟ موقفك من البرادعى سيحدِّد إجابتك، وإجابتك ليست اكتشافًا للبرادعى بالمناسبة، إجابتك هى اكتشاف لك أنت. هل فكرت أن تسجيلات السيسى تكشف عن سذاجة سياسية وأنها تطفئ حضورَه فى الشارع، أم أن تصريحاته عن الأحلام والساعة الأوميجا تجعله يتكلم كأهل الشارع وأن ما قاله زاد من شعبيته؟ فهمك للشارع هو الذى سيحدِّد إجابتك عن السؤال.
هل أنت ساذج بما يكفى لأن يجعلك عنوان «فضيحة تسجيلات فلان» تصدِّق أن الفضيحة حكم نهائى قبل أن تستمع أصلًا، أم أنك مصاب ببارانوايا المؤامرة فتجتهد فى إثبات أن «ده مش صوته»؟ هل أنت متربص بما يكفى لأن يجعلك تسخِّر كل قدراتك العقلية لاستخراج الفضيحة ولو بـ«لَىّ ذراع الحقيقة»، أم أنك متسامح بما يكفى لأن تسخِّر فَصّ المخ الأمامى للربط بين ما تسمعه والظروف التى قيل فيها وتاريخ الشخصية ومستجَدَّات الأحداث؟ هل تمتلك ثقة كافية بالنفس بحيث تتفهم السياق العامّ لِمَا يُقال وما يعنيه حقيقية، أم أن ثقتك بنفسك مهزوزة بحيث تبادر فورا إلى إصدار حكم الإعدام على طرف التسجيل لتبرِّئ نفسك أنت مش حدّ تانى؟ الاستماع إلى التسجيلات هو لحظة كاشفة وبقوة لجنس البنى آدم الكامن بداخلك. لاحظ أننى أتحدث عن المستمع، لأن مَن يسجِّل ومَن يذيع من جنس آخَر تمامًا.