عندما نتحدث عن حركة حماس فى قطاع غزة، فإننا نتحدث عن التنظيم الدولى للجماعة بكل ارتباطاته الإقليمية والدولية، لا نتحدث عن مجرد مجموعات مسلحة موجودة فى قطاع غزة الذى لا تتجاوز مساحته الـ٣٦٠ كيلومترًا مربعًا، نتحدث عن فرع للجماعة وتنظيمها الدولى، ومثلما تقدم الحركة الأم فى مصر مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن، فإن الفرع الفلسطينى يفعل الأمر ذاته، بمعنى أنه يقدم مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن ممثلًا فى القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من ادعاءات الحركة بمقاومة الاحتلال وتحرير الأرض، فإنها من الناحية العملية لا تعطى لمقاومة الاحتلال أولوية فى عملها، بل الأولوية هى للسيطرة على المجتمع أولًا والقضاء على نفوذ الجماعات الأخرى من قومية ويسارية، لذلك قامت الحركة بالانقلاب على السلطة الوطنية فى القطاع عام ٢٠٠٧ وسيطرت على القطاع بالكامل، وتولت ضبط الأوضاع هناك، وعندما حاولت ممارسة المقاومة تعرضت لعدوان إسرائيلى شامل انتهى بتفاهمات تهدئة تحرص حماس على استمرارها والحفاظ عليها، بل وتتولى مواجهة أى فصيل يعمل على خرق هذه التهدئة.
ورغم كل ما قدمته مصر من أجل القضية الفلسطينية والدور الذى لعبته الأجهزة المصرية فى دعم كل فصائل المقاومة الفلسطينية بما فيها حركة حماس، فإن الحركة دفعت بعناصرها المسلحة إلى الداخل المصرى لمشاركة الإخوان فى تنفيذ مخطط هدم مؤسسات الدولة المصرية من ناحية، وتهريب قادة الجماعة من السجون المصرية، بالإضافة إلى العمل كجناح عسكرية للجماعة فى خدمة نظام مرسى.
وعندما نجح الشعب المصرى وبدعم من قواته المسلحة فى إنهاء حكم المرشد والجماعة، أظهرت حركة حماس مواقفها المعادية لمصر وشعبها والتى تعمل فى خدمة التنظيم الدولى، وبدأت الجماعة تُسيِّر المظاهرات فى القطاع للاحتجاج على تطورات الأحداث فى مصر وتحديدًا ثورة الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، وبدأت الجماعة تدفع بعناصرها المسلحة إلى داخل الأراضى المصرية لمواصلة عمليات العنف ضد مؤسسات الدولة المصرية، كما دفعت حماس بعناصرها المسلحة للقيام بهجمات على وحدات الجيش المصرى فى شمال سيناء.
وعندما نجحت القوات المسلحة فى تدمير العناصر الإرهابية فى شمال سيناء والسيطرة تمامًا على فلول الجماعات الهاربة فى محافظات مصر المختلفة، عادت الجماعة إلى العمل من داخل القطاع، وبدأت فى تنفيذ مخطط جديد يستهدف استدراج القوات الإسرائيلية لشن عدوان شامل على القطاع، تستغله الحركة فى الدفع بمئات الآلاف من سكان القطاع لاقتحام الحدود المصرية وتصدير المشكلة إلى النظام المصرى، فإما يفتح الحدود تمامًا وتتسرب عناصر حماس إلى الداخل المصرى مجددا وتقوم بعمليات إرهابية جديدة، وإما تقوم القوات المصرية بإحكام إغلاق الحدود وتمنع اقتحامها، وهنا توظف حماس المشاهد بتأكيد اشتراك مصر فى حصار الشعب الفلسطينى، بل وتدعى وجود تعاون وتنسيق بين إسرائيل ومصر فى العدوان على القطاع. وبدأت حماس التمهيد للمخطط بنصب خيمة كبيرة أمام السفارة المصرية فى القطاع، وبدأت فى عقد المؤتمرات الحاشدة التى تتهم مصر بحصار الشعب الفلسطينى فى القطاع، وفى الأيام التالية دفعت بعناصرها المسلحة إلى قصف إسرائيل بالصواريخ، وردت إسرائيل بقصف القطاع ودخلت حركة الجهاد الإسلامى على الخط وبدأت فى قصف إسرائيل بالصواريخ واستعدت إسرائيل لشن عدوان شامل على القطاع، واستعدت حماس من جانبها لتنفيذ مخطط اقتحام الأراضى المصرية. وأدركت مصر حدود المخطط وأبعاده، ومن ثم تحركت بسرعة باتجاه حركة الجهاد الإسلامى وإسرائيل ونجحت فى إقناع الطرفين بتجديد تفاهمات التهدئة، وهو ما أبطل مفعول مخطط حماس والتنظيم الدولى ولو مؤقتًا، وإبطال مفعول هذا المخطط لا يعنى توقفه، بل يعنى أن الحركة والجماعة والتنظيم الدولى سوف يبحثون عن مخططات أخرى لزعزعة استقرار مصر بالتنسيق والتعاون مع أطراف إقليمية ودولية.