بدأت هذه الأيام الكتب تتوالى، وبرامج التوك شو تستضيف من يتحدثون عن مؤامرة 25 يناير أو نكسة 25 يناير، وفوجئت بأحدهم معى فى أحد البرامج الحوارية، مما كان سيخرجنى عن هدوئى، ولكنى كتمت غيظى وخرجت من الحلقة غاضبا، فكان لزامًا علىَّ أن أفرّغ هذا الغضب على الورق، عسى أن أهدأ، وأكملها خالد صلاح باستضافة إبراهيم سليمان ليتحدث عن إنجازاته ومبارك المحترم، وأحمد عز الغلبان والمغلوب على أمره. وليس بعيدا أن نراهم تباعا يُستضافون فى البرامج الحوارية، كأنهم يريدون أن يقنعونا، أن هذا الشعب أهبل وعبيط وقليل الأدب، لأنه قام بثورة تنفيذا للمخطط الأمريكى على هذا النظام البرىء.
هل زورت أمريكا انتخابات 2010 بفجاجة؟! وقبلها زورت كل الانتخابات بنسب ما بين 70 و90%؟! هل أمريكا هى التى تركت 1400 راكب يغرقون فى البحر وذهبت لتشاهد ماتشًا لكرة القدم؟! هل أمريكا هى التى تركت نصف هذا الشعب دون صرف صحى و40% منه دون مياه نظيفة؟! هل أمريكا هى التى تركت جسد مواطنى هذا الشعب نهبا للسرطان والالتهاب الكبدى، بسبب مبيدات مسرطنة وهواء ملوث، ودفن نفايات العالم؟! هل أمريكا هى التى جعلت مخافر أمن الدولة وكذلك الأقسام، مكانا للتعذيب وانتهاك كرامة المواطن وهتك عرضه على امتداد عقود طويلة من الطوارئ؟! هل أمريكا هى التى أفسدت النظام الصحى؟! حتى أصبح التأمين الصحى مدفوع الأجر، مكانا لإهانة المواطن وإهدار كرامته، ومن الممكن أن يكون هذا المواطن، مدرسا أو مهندسا أو طبيبا، ولكنه كان ابن المؤسسة الحكومية، لصالح أصحاب المستشفيات الخاصة، وأصبح المواطن الفقير، يموت مرضا، لأنه لا يملك ثمن حقنة، بل المواطن ابن الطبقة المتوسطة العليا أيضا، لأن ثمن الحقنة يصل أحيانا إلى آلاف الجنيهات، مما لا تتحملها الأسر المستورة، وأصبح من الضرورى أن يتقدم المواطن بالشكر للقيادة السياسية للدولة، لأنها وافقت على علاجه على نفقة الدولة «رغم إن ليه تأمين صحى»، ومنهم أفاضل آخرهم الأستاذ سعد هجرس، وعندما رفضت الدولة علاج المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيرى على نفقة الدولة، تبرع أحد الأمراء السعوديين بتكاليف علاجه، هل هذا كان مؤامرة أمريكية؟! هل أمريكا هى التى أخذت عبد الحليم قنديل لتؤدبه على تطاوله على القيادة السياسية، فى أحد الأماكن الصحراوية وتركته يعود عاريا تماما؟! هل أمريكا هى التى استدعت المواطنين الشرفاء من أمثال خالتى فرنسا، لتهتك أعراض البنات فى الشارع أمام نقابة الصحفيين، أمام كاميرات الصحف، أمام القيادات الأمنية، بل إن أحد القيادات الأمنية هو من كان يشير على المطلوب تأديبهم؟! ويبدو أن أحد هؤلاء استدعى خبرته القديمة ومارسها مع الدكتورة أهداف سويف وعائلتها أمام القضاء العالى من عدة أيام، هل أمريكا هى التى أفسدت النظام التعليمى على مدى عقود، لتنزعه من مجانيته التى صنعها عبد الناصر، ليصبح الفقير ليس له مكان فى التعليم، وعليه أن يكون صبى ميكانيكى أو صبى نجار، أو متسولا أو بائعا للمناديل فى إحدى الإشارات، لتصل نسبة الأمية إلى 40% فى الوقت الذى احتفلت فيه اليابان بمحو أمية آخر مواطن فى الكمبيوتر، وكنا نسبقها بعد الحرب العالمية الثانية التى خرجت منها اليابان منهكة، هل أمريكا هى التى تركت النظام الاجتماعى يهترئ إلى هذه الدرجة؟! لتتوالى الأسر المهمشة وساكنو المقابر وساكنو العشش وساكنو علب الصفيح وساكنو الخيام، لتقذف لنا تلك الطبقة بعد ذلك بأطفال الشوارع لنفاجأ بـ2 مليون طفل شارع، يسكنون أسفل الكبارى، تمارس ضدهم كل الانتهاكات الإنسانية والجسدية والجنسية الممكنة، ليتناسلوا ويخرجوا لنا الجيل الثانى من أطفال الشوارع الذى سيكون أشد شراسة وأكثر نقمة على المجتمع بخلاف الملاجئ التى ملأت المدن الجديدة وامتلأت عن آخرها باللقطاء، الذين سيخرجون على درجة من التشوه النفسى فى مجتمع شرقى لا يقبلهم، رغم وجود درجة من درجات الرعاية قد توفرت لهم، هذا كله بسبب نظام اجتماعى فاسد أوصلنا إليه نظام، فعلا أمريكا دى بنت كلب صحيح.