أصاب الزميل العزيز القديم صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة «القاهرة» الأسبوعية التى تصدرها وزارة الثقافة عندما بدأ ينشر فى عدد الثلاثاء الماضى مقدمة كتاب العقاد عن «سعد زغلول» الذى صدر عام 1936، وذلك بمناسبة مرور نصف قرن على وفاة الكاتب الذى وصفه سعد زغلول بـ«الكاتب الجبار».
كان ذلك أقل ما يمكن فى هذه المناسبة، ولعل الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، يجعل من العقاد شخصية دورة العام القادم من معرض القاهرة الدولى للكتاب، كما كان طه حسين شخصية دورة العام الحالى، وكلاهما من أعظم كتاب مصر فى القرن العشرين، وفى كل القرون، فهما من قلة من الكتاب فى العالم الذين لم تعد بلادهم بكتاباتهم ومواقفهم كما كانت قبلهم.
كانت أول صورة تنشر لى فى الصحف صورتى فى مجلة «آخر ساعة» ضمن صور جنازة العقاد التى خرجت من نقابة الصحفيين فى شارع عبدالخالق ثروت بوسط القاهرة، وكنت لم أزل طالباً عام 1964، ولا أستطيع أن أنسى أصوات أجراس الكنيسة المواجهة للنقابة وهى تدق أثناء الجنازة فى الطريق إلى مسجد جمعية الشبان المسلمين فى شارع رمسيس للصلاة على الجثمان كانت لحظة مصرية خالصة تعبر عن روح مصر التى استوعبت كل الأديان وكانت «فجر الضمير» كما وصفها المؤرخ جيمس هنرى برستيد فى عنوان كتابه عن الحضارة المصرية القديمة.
وكان العقاد قدوة ومثلاً أعلى لى وأغلب الكتاب الشباب من جيلى والأجيال الأخرى من حيث الصلابة فى التعبير عن قناعاته والتمسك بها، ورفض التنازلات ودفع ثمن الرفض راضياً، واعتبار الكلمة سلطة أهم وأكبر من كل السلطات، ومن حيث اعتماده فى الحياة على المال الذى يأتى من دور النشر التى تنشر مقالاته وكتبه، أى المال الذى يأتى من جمهوره من القراء، ويحرره من الحاجة إلى مصادر أخرى، ويجعله يتوجه إلى جمهوره وحده، وذلك هو الوضع المثالى لأى كاتب فى أى مكان وزمان.
وقد لفت نظرى فى تقديم صلاح عيسى للنص العقادى أنه يعتبر كتاب «سعد زغلول» نهاية المرحلة الليبرالية فى حياة العقاد السياسية والفكرية، ولعله يوضح وجهة نظره، فلست ممن يرون أن العقاد عندما بدأ ينشر كتبه عن الإسلام وتاريخ الإسلام وعبقريات هذا التاريخ قد تخلى عن ليبراليته، ولعل صلاح عيسى لا يقصد ذلك، فالتنوير هو أيضاً إعادة كتابة التاريخ برؤية عصرية حديثة، وهذا ما فعله العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وهيكل فى كتبهم عن الإسلام وتاريخه وكل أجيال الشباب من أربعينيات القرن الميلادى الماضى، وحتى الآن كانت بين أن تقرأ الكتب القديمة التى يقرأها المختصون بأساليبها شبه المهجورة، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل على غير المتخصصين، أو أن تقرأ كتب أعلام التنوير، أو ألا تعرف شيئاً عن الإسلام وتاريخ الإسلام.