هناك ألف علامة استفهام حول ما جرى فى ليبيا، خلال أسبوع مضى، ففجأة قرر البرلمان الليبى إقالة على زيدان، رئيس الحكومة، ثم فجأة أيضاً، أقلعت الناقلة الكورية الشمالية، التى هى حديث المنطقة الآن، من ميناء السدرة الليبى، بعد أن امتلأت بالنفط على أيدى خارجين على الحكومة، وليس عن طريق الحكومة نفسها!.. وهى سابقة ربما لا مثيل لها من قبل!
ولم تكن المشكلة فى أن البرلمان هناك أقال رئيس الحكومة، فما أكثر البرلمانات التى أقالت حكومات بامتداد العالم، ولكن المشكلة الحقيقية أن رئيس الحكومة الذى أقيل قد فر هارباً خارج البلاد بعد إقالته بساعات! وبترتيب مدروس فيما يبدو!
ليس هذا فقط، وإنما عرفنا بعد هروبه أن نائب عام ليبيا كان قد أصدر قراراً بمنعه من السفر، فى لحظة إقالته، ومع ذلك فإن الرجل أخذ طائرة كانت مخصصة له وقت أن كان رئيساً للحكومة، وطار بها، ثم حط فى مالطة، حيث تزودت الطائرة بالوقود، وحيث التقى هو برئيس وزراء مالطة، وحيث قضى ساعتين، ومن هناك طار مرة أخرى إلى ألمانيا، التى يحمل جنسيتها، لأنه كان قد أقام فيها لفترة حين كان نظام القذافى يطارده!
وراء الرجل اتهامات بالفساد المالى والإدارى وغيرهما، وبسبب هذه الاتهامات صدر قرار نائبهم العام، ومع هذا كله فإن «زيدان» مستقر حالياً فى ألمانيا، وكأن النائب العام لم يصدر بشأنه أى قرار، وكأن فساداً من أى نوع لا يلاحقه!
فإذا ما انتقلنا إلى الناقلة إياها، فسوف نرى أن حالها أعجب من حال زيدان، إذ لابد لأى صاحب عقل أن يتساءل عن الكيفية التى استطاعت بها ناقلة كبيرة من هذا النوع أن ترسو فى ميناء السدرة، ثم تمتلئ خزاناتها بالبترول، ثم تقلع فى عرض البحر رغم أنف الحكومة، ودون أن يحاول أحد فى الحكومة أن يسأل طاقمها عما تفعله الناقلة فى غيبة البلد وحكومته وسلطاته؟! ثم إن السؤال الأكبر هو عن علاقة «زيدان» بهذا كله، وعلاقة هروبه الآمن بالموضوع كله من أوله إلى آخره!
ليس هذا فقط، وإنما هناك ما هو أعجب، وأعجب، حين نعرف أن سلطات ليبيا كانت قد فكرت، ثم قررت قصف الناقلة بعد إقلاعها مباشرة، فإذا بسفراء أوروبيين يتوسطون عند السلطات هناك، من أجل عدم قصفها، وكانت الحجة كما قيل إن القصف سوف يؤدى إلى تلوث البيئة!! وكأن سرقة بترول البلد، وتعبئته نهاراً، وعلناً، رغم أنف الحكومة، ومن وراء ظهرها، حلال، بينما قصف أداة الجريمة حرام!! والحجة، كما قيل بما لا ينطلى على عقل طفل صغير، أن قصفها سوف يلوث البيئة!!
ليبيا جارة ملاصقة لنا، بطول حدود الغرب، ولابد أن ننتبه إلى حقيقة ما يدور على أرضها، وأن نفهم ماذا يجرى هناك، وأن نعطيها من الاهتمام ما يليق بحجم تأثير ما يحدث فيها علينا.
شىء واحد، بل وحيد، قد يبعث على شىء من الطمأنينة فيما شهدته ليبيا من ألغاز، خلال أسبوع عصيب، وهو أن الذى تولى الحكومة إنما هو وزير الدفاع، لعله يستطيع أن يضبط بلداً انفرط عقده بعد العقيد، لا سامحه الله، ولا غفر له!