كان خالى عبده عالماً فى الاقتصاد وفى الكيمياء العضوية. حصل على الدكتوراه من جامعة موسكو فى بداية الستينيات، برسالته الشهيرة «حتمية الحفاظ على القطاع العام والخطوات الواجب اتباعها لتحويله من خاسر إلى رابح»، كما حصل أيضا من جامعة صوفيا (صوفيا بلغاريا وليست صوفيا لورين) بعدها بشهرين على الدكتوراه فى الكيمياء عن بحثه الشهير «التفكير العلمى ودوره فى تحويل الفسيخ إلى شربات».
أقام بشقته معملا صغيرا. كان مشروعه وحلم حياته هو تحويل الفسيخ إلى شربات. وفى ندوة تليفزيونية، قال: «إن عظمة الإنسان تكمن فى تحدى المستحيل، ولما كانت المقولات الشعبية عن تحويل الفسيخ إلى شربات تقطع باستحالة هذا التحول، إلا أنها مقولات يائسة ومعادية للابتكار والبحث العلمى. (المستحيل) كلمة ليست فى قاموسى. اسمحوا لى بأن أعلن بعد بحث علمى شاق ومضن أننى توصلت بالفعل إلى نوع جديد من الشربات مصنوع من الفسيخ، ولقد أطلقت عليه اسم (شرباخ)، وهو يتميز عن الشربات العادى بأنه مهدئ ومضاد للاكتئاب ومقاوم للبرد والأنفلونزا ومخفض للضغط العالى ويرفع الضغط الواطى.. لقد جربته على نفسى وبعض أصدقائى، فوجدناه لذيذا إلى أقصى حد مع بعض المزازة والحموضة، والمرارة التى ستختفى بالتأكيد بكثرة الاستعمال والتعود».
ولم يسأل فيه أحد. وكما يحدث دائما، خطف الآخرون المشروع، دولة عربية اشتراكية شقيقة قررت استغلال المشروع لكثرة ما بها من أفراح واحتفالات وليالى ملاح. على الفور، قامت شركة أوروبية بعمل دراسة جدوى للمشروع، كانت الأرباح المتوقعة خرافية، تم رصد الميزانية المطلوبة للمشروع، مبدئيا أربعمائة مليون للإنشاءات وحدها، أما المرتبات والرواتب والحوافز والأجر الإضافى فسيتم صرفها مباشرة من الموازنة العامة.
تم عمل أحواض كبيرة مبطنة بالأسمنت، وبعضها بالاستانلس ستيل «للبورى الفاخر»، كما تم عمل مزارع سمكية، استوردت الزريعة الخاصة بها من شرق آسيا، كما تم تخصيص 100 ألف فدان فى الصحراء لعملية التفسيخ نفسها، التى تحتم أن ينشر البورى على ساحات شاسعة ثم يرش عليه الملح قبل نقله إلى مصانع الشرباخ.
أصيب المشروع بكارثة فى البداية، تم تجاوزها على الفور، فقد تم استيراد نصف مليون طن ملح خزنت فى الصحراء، وفجأة ساد البلاد طقس بارد لأول مرة من سبعين سنة، أمطرت البلاد بغزارة لمدة ساعتين، اختفى الملح بعدها.
لذلك، تم اتخاذ اللازم لنقل الملح بالطائرات من موانئ التصدير، على أن تقوم نفس الطائرات برشه على سمك البورى فى منطقة التفسيخ نفسها، خرج الإنتاج إلى الأسواق مع حملة دعاية واسعة، وبعد أن لوحظ فى الأسبوع الأول كثرة عدد المنقولين من الأفراح إلى المستشفيات صدرت أوامر، لا أحد يعرف مصدرها - أكيد مسؤول حاقد - باستبعاد خالى عبده، ولكن المشروع استمر فى الإنتاج، وفى الربح أيضا، مع أنه لم يبع زجاجة شرباخ واحدة لمدة عام كامل، وذلك لأن عشرات ملايين زجاجات الشرباخ الموجودة فى المخازن كانت ترصد فى الميزانيات فى خانة إيرادات متوقعة.
خالى لا يعرف اليأس. فى مدينة دمياط الجديدة الساحلية، استأجر شقة حوّلها إلى معمل، مشروعه الجديد هو تحويل مياه البحر الأبيض المتوسط إلى طحينة بنى.. كان الله فى عونك يا خال.
نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية