رأيت «كثيرين حول السلطة ولم أر واحدا حول الوطن»، تلك الجملة الخالدة التى قالها الزعيم الهندى الكبير الماهاتما غاندى، هى شعار المرحلة لطليعة الثوار المؤسسين لحملة تمرد وأصحاب فكرتها، فلقد كان، ومازال، الجانب الثورى منهم حريصا كل الحرص على عدم طرح نفسه كبديل للسلطة الغاشمة التى تم إسقاطها فى الثلاثين من يونيو الماضى، مثلما كانوا رافضين للدخول فى معركة تصدر المشهد السياسى عقب القمة الأولى للثورة المصرية فى الخامس والعشرين من يناير، وذلك على الرغم من دورهم الكبير خلال الثمانية عشرة يوما الأخيرة، والذى للأسف لا يعرف عنه الشعب إلا القليل.
فلقد تملكهم الإصرار على أن يتضمن البيان الأول لحملة تمرد فى الثامن والعشرين من إبريل الماضى تلك الجملة التى أبدع فى قولها غاندى، للتفرقة بين السياسى الباحث عن المكاسب، والمناضل الباحث عن تحقيق آمال وطموحات الشعب، وكانوا حريصين على طرح خطاب سياسى يوضح أن المعركة الرئيسية لتمرد هى إنقاذ مصر ممن يحاولون السيطرة عليها وتحويلها إلى إمارة إخوانية، دون الحاجة لطرح نفسه كبديل للسلطة.
مع نجاح المرحلة الأولى من المشروع، حرصت تلك الكتلة الثورية على أن يكون الجزء الثانى لمشروع البناء جامعا لكل المصريين، وعدم طرح أى رأى يكون من شأنه التفرقة بينهم، ففى الانتخابات الرئاسية، على سبيل المثال، هناك حرص على عدم الانحياز لأى مرشح بعينه، على أن يتم، من قبلهم، وضع مجموعة من المواصفات والمعايير على أساسها يترك لجموع الشعب حرية الاختيار دون فرض الوصاية عليه، كالحرص على أن يكون مرشحا مدنيا، يملك برنامجا انتخابيا واضح المعالم، يساعد على تحقيق مطالب وأهداف الثورة من الاستقلال الوطنى والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وأن يكون تاريخه متسقا مع ما يطرحه فى برنامجه من أفكار وخطوات تنفيذية.
ونظرا لأن الفترة الماضية سادها غياب مشروع قومى واضح المعالم يجمع كل المصريين، فإن هذه المجموعة الثورية حريصة كل الحرص على أن يكون ظهورها الثانى حاملا لهذا المشروع.
مشروع نهضوى واضح المعالم يضم جميع المصريين دون التفرقة بينهم، على أساس الانتماء السياسى، هادف إلى تنمية البلاد وإعمارها، يكون المقياس الموضوعى للمصالحة المجتمعية مع من كان منتميا لأنظمة تمت الثورة عليها، وعلى استعداد للدخول ضمن حالة وطنية جامعة تحمل مشروعا للبناء عجز عن تقديمه النظام الذى كان منتميا إليه وثار عليه المصريون.
وتتعدد طموحات وآمال هذا المشروع، منها السعى إلى تحويل اقتصاد البلاد إلى اقتصاد إنتاجى يحقق الاكتفاء الذاتى للشعب، وبناء قاعدة اقتصادية إنتاجية مستقلة مثل التى وجدت فى الستينيات وجعلت المصريين فى حالة اكتفاء حتى فى أثناء حرب السادس من أكتوبر، إلى جانب هذا الهدف، يعمل على القضاء على العيوب التى سادت المجتمع المصرى لعقود زمنية طويلة، كالطبقية والعنصرية والطائفية.
فهى فكرة، فى الأساس، مقدمة كبرنامج ثورى للرئيس المنتخب بصرف النظر عن شخصه، يلتزم بتطبيقها تحت إشراف الشعب بعد تقديمها إليه.