السيد إسماعيل هنية
تحية طيبة،
لعل الاطلاع على هذه الكتب يثنيكم عن اغتيال المصريين فى سيناء؛ المصريون الذين وقفوا إلى جانب الفلسطينيين وساندوهم بالمظاهرات والاحتجاجات منذ ثلاثينيات القرن الماضى، وبادروا بالتطوع فى سبيلهم فى حرب 48، وكان أولهم اليوزباشى جمال عبدالناصر، الذى تحرك إلى الأراضى الفلسطينية فى يوم إعلان الحرب– 15 مايو 1948– وتعرض للقتل مرتين، ثم وقع فى حصار الفالوجا لمدة 6 أشهر.
وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، ظلت قضية فلسطين فى قلب عبدالناصر ووجدانه منذ أول يوم وحتى آخر يوم، وهذا واضح من حواراته الصحفية المرفقة.
قد لا تكون مدركاً بحكم السن مدى ارتباط المصريين بالفلسطينيين، وتضحياتهم من أجل هذه القضية العربية الغالية، ولكن عندى أمل كبير أن تأمروا بإيقاف نزيف الدم لأولادنا على يد منظمتكم، وهو الأمر الذى لم يكن من المتصور أن يحدث فى يوم من الأيام!
وفقكم الله لما فيه الحفاظ على الدم العربى، والتوجه بدلاً من ذلك لمحاربة عدونا الحقيقى.. دولة إسرائيل الصهيونية.
هدى جمال عبدالناصر
هذا خطاب كتبته لأرسله إلى السيد إسماعيل هنية- قائد منظمة «حماس»- مع نسخة من كتاب «جمال عبدالناصر فى مواجهة الصحافة»، والجزء الأول والثانى من كتاب «جمال عبدالناصر.. الأوراق الخاصة»، الذى يتناول يومياته فى حرب فلسطين.
ولكن مع توالى الهجمات على الجيش المصرى فى سيناء بطريقة جبانة تخلو من مبادئ الشرف العسكرى، وتعتمد على الاغتيالات والإرهاب، قررت أن أعيد النظر فى أمر هذا الخطاب، وتساءلت: هل الموقف الآن مع «حماس» فيه أى مبادرة حسن نية؟! وخلصت إلى أنه لا فائدة؛ حيث إن هذه المنظمة تعدت الحدود القومية.. أقصد أن هويتها أصبحت غير فلسطينية، وإنما تدين بالولاء لتنظيم إرهابى دولى يناقض الانتماء القومى ويحاربه.
وأدركت على الفور أننى اندفعت فى كتابة هذا الخطاب بالعاطفة، وبمعايير المبادئ التى تربى عليها جيلى من تقديس لقضية فلسطين وتبنى آمال الفلسطينيين فى العودة لوطنهم السليب.
لقد أدركت أن منظمة «حماس»- بأيديولوجيتها المتعصبة الضيقة، وبانتهاكاتها للسيادة المصرية فى سيناء، وبتكرار اعتداءاتها على أولادنا من رجال الجيش- لا تمثل الفلسطينيين، بل إن أعضاءها هم قلة مارقة، أعماهم الحقد، وخانوا القضية الفلسطينية العربية من أجل أطماع مادية وانحيازات دولية مشبوهة. لقد نسوا- أو تناسوا- أن واجبهم الأول هو تحرير فلسطين، ومواجهة العدو الصهيونى.
ولم أستطع أن أمنع نفسى من السؤال: وماذا عن موقف الشعب الفلسطينى مما يحدث فى سيناء؟ وإذا كان أعضاء «حماس» لا يمثلون الفلسطينيين، فلماذا لا نجد أى تعبير عن ذلك، ولو بمظاهرة واحدة تشفى غليل المصريين؟! وعبرت عن رأيى هذا فى أحد البرامج التليفزيونية، فجاءتنى الرسالة التالية من الأخت الفلسطينية صابرين دياب- صحفية من الوطن المحتل- ترد على عتابى «على عدم رد الشعب الفلسطينى على سلوك حماس الدنىء»، على حد قولها، واستطردت:
«يبدو أنك لم تسمعى بوقفات تضامنية كثيرة كانت فى القدس عند باب العمود، انتصارا وحبا فى مصر، كما أن زيارات مكثفة كانت للسفير المصرى فى رام الله، من طلبة ومناضلين وأكاديميين ورجال دين؛ عبروا عن أسفهم واعتزازهم بمصر التى روت تراب فلسطين بدم أبنائها.
أزعم - يا دكتورة هدى - أننا شعب وفىّ لعهوده ولحلفائه ولأشقائه ولقضيته، وإن خانت (حماس) الأمانة، فهى ليست فلسطين والفلسطينيين».
لقد أثلجت قلبى هذه الرسالة، وشعرت أن التضحيات المصرية لم تذهب سُدى، وأن مشاعر الأخوة بين المصريين والفلسطينيين لا يمكن فصامها، وأحسست براحة نفسية كبيرة؛ فلا يمكن أن أنسى أن والدى قضى إلى ربه بعد مجهود كبير بذله من أجل حقن الدماء الفلسطينية فى الأردن فى سبتمبر 1970.