حين وقف الفنان المبدع فؤاد المهندس في أحد أعماله يقول للفنانة شويكار (القانون ما يعرفش زينب) لم يكن يعرف أن القانون يوما ما سيتم تفصيله ليعرف زينب وغيرها، وما قصده فؤاد المهندس أن أي قانون لا يعرف التمييز بل يقرر المساواة بين الناس ولا ينتقي من يعاقب لأن معنى القانون هو العدل، فإذا اختلت كفة الميزان سقط القانون.
منذ 3 يوليو ابتلى الله السلطة في مصر بجناح بها يجيد نصب الأفخاخ لها ليوقعها في شر أعمالها ويؤلب عليها الرأي العام وكما أبدعوا قانون التظاهر بكل ما أثاره من غضب خرج قانون انتخابات الرئاسة الجديد ليؤكد أن هناك من يهدم هذه السلطة من داخلها بممارسة هذه الأفعال التي لا مبرر لها تعالوا نتتبع مسيرة قانون انتخابات الرئاسة العجيب لندرك كم العبث الذى نحياه ونبدأ من المادة «7» من قانون الانتخابات الرئاسية التي نصت على أن: «قرارات لجنة الانتخابات نهائية ونافذة بذاتها، وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء»، وهو ما اعترض عليه العديد من الفقهاء الدستوريين واعتبروه مخالفا للمادة «97» من الدستور، التي تحظر تحصين قرارات أي جهة، وفى نفس الوقت الذى تعلو فيه أصوات بعض أبواق السلطة تدافع عن فكرة التحصين يستحضرك موقفهم من رفض مبدأ التحصين الذي حاول الرئيس المعزول مرسي إقراره في إعلانه الدستورى الذي رفضناه وهذا يكشف حجم التناقض المريع الذي يعاني منه هؤلاء.
لم يحصن الله نفسه بل طرح نفسه لخلقه طالبا منهم التفكر في ذاته وقدرته وعلمه وكل من يقرأ القرآن يجد آيات (قل سيروا في الأرض ثم انظروا) ولم يعاقب الله نبيه إبراهيم حين قال له (ربي أرني كيف تحيي الموتى) ولكن هؤلاء الملهمين يرون أن التحصين ضرورة وسط مبررات متهافتة
آراء قسم التشريع بمجلس الدولة وهو جهة قضائية نشهد لها بالمواقف الوطنية والنزاهة والحيدة من قبل الثورة ـ تم إلقاء تعليقه ورفضه لإصدار القانون بهذا الشكل فى سلة المهملات وكأن هناك من يصر على تلغيم المستقبل.
يقول المستشار مجدي العجاتي رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة تعليقا عن التعديل المقترح على قانون ممارسة الحقوق السياسية لمنع الترشح وهذا نصه.
(المحال إلى المحاكم الجنائية في جريمة يترتب على الحكم بالإدانة فيها منعه من مباشرة حقوقه السياسية حتى يصدر فيها حكم طوال مدة المحاكمة) وهذا له علاقة بقانون انتخابات الرئاسة: إن مشروع التعديل المقترح يقيد من الحرية الشخصية دون سند من الدستور، كما أنه يخالف المبدأ الدستوري والشرعي والدولي الذي يقضي بأن الأصل في الإنسان البراءة.
وأضاف «العجاتي» أن النص المقترح يرتب جزاء يوقع على الشخص المحال تلقائيا ودون حكم قضائي بما يمثل اعتداء من السلطة القائمة على التشريع على اختصاصات السلطة القضائية، كما أنه يمثل وقف مباشرة الحقوق السياسية للمحال إلى المحاكمة الجنائية ومن المشاركة في الحياة العامة طيلة المدة التي حددها النص المقترح دون مقتضى من الدستور، على حد قوله.
وأوضح المستشار العجاتي أنه من باب أولى لا يجوز حرمان المحال للمحاكمة الجنائية من حقوقه السياسية وهو من لم يصدر ضده حكم بالإدانة، والقول بغير ذلك يؤدي بنا إلى وضع وصفه بـ«الشاذ»، بأن يكون المحكوم عليه في الجرائم السابقة والموقوف تنفيذ الحكم فيها في وضع أفضل ممن لم يصدر ضده حكم بالإدانة، على نحو يجافي قواعد العقل والمنطق ويثير تناقضا بين نصوص القانون ويخالف أحكام الدستور.
وفى بيان لجنة الحريات بنقابة المحامين أشارت خلاله إلى أن صدور القانون 22 لسنة 2014 وهو قانون انتخابات الرئاسة جاء مخالفًا للمادة 97 من الدستور.
وأضاف البيان أن إصرار الحكومة على التحصين لقرارات اللجنة العليا للانتخابات يهدد شرعية الرئيس القادم، خصوصًا أن قسم التشريع بمجلس الدولة قد عارض مسألة التحصين وأوصى بإلغائها، وكان يتعين الأخذ بتوصياتها حتى يتم إضفاء مزيد من القانونية على أعمالها، ويحول دون التشكيك في نتائجها بالطعن بعدم دستورية القانون.
هل تتخيل أن يشترط قانون الانتخابات الرئاسية أن يكون المرشح حاصلا على مؤهل عال (تمييز على أساس التعليم)، وألا يكون قد سبق الحكم عليه في قضية حتى ولو رد إليه اعتباره (ماذا عن حالات التلفيق والانتقام السياسى من المعارضين لإبعادهم عن المنافسة).
مناقشات مجلس الدولة حرصت على ضرورة الالتزام بعدم تحصين اللجنة العليا للانتخابات، مع ضرورة أن تخضع إلى رقابة القضاء، وأيضًا أشارت إلى مادة نقاء العنصر حيث كان من شروط الترشح أن نجل المرشح لا يكون حاصلًا على جنسية أجنبية، ولكن الدستور ينص على أن العقوبة شخصية، بمعنى أنه لا يجوز معاقبة الأب على جنسية نجله، ولذلك تمت التوصية في تغيير النص بمنع حصول المرشح فقط على جنسية أجنبية.
تلفت أيضا نظرنا الباحثة القانونية المتميزة منة عمر إلى نقاط أخرى تستحق المناقشة وهي:
تجريم مقاطعة الانتخابات: اقتصار حرية إبداء الرأي على التصويت لمرشح بعينه
نصت المادة 43 من القانون على «يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه من كان اسمه مقيدا بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر من الإدلاء بصوته في انتخابات رئيس الجمهورية».
وقد أجبرت الدولة بهذه الطريقة المواطنين على الذهاب إلى الانتخابات تحت طائلة دفع غرامة مالية، في انتهاك صريح لحرية التعبير وإبداء الرأى، فحرية التعبير وإبداء الرأى تتضمن حرية التصويت لمرشح بعينه، حرية أن يقوم الناخب بالتصويت بورقة بيضاء، أو مقاطعة العملية الانتخابية. فالمقاطعة هي نوع من أنواع التعبير وإبداء الرأى، فهي تعبر عن اعتراض المواطن على تفاصيل العملية الانتخابية، قانون الانتخابات، أو حتى المرشحين. ومع غياب نظام حساب الورقة البيضاء في مصر أي أنه إذا قرر الناخب أن يسقط ورقة بيضاء في صندوق الانتخابات تعبيرا عن رفضه للمرشحين أو اعتراضه على العملية الانتخابية سيعتبر صوته باطلا، تصبح إذا المقاطعة هي وسيلة التعبير الوحيدة على عدم الرضاء على المرشحين أو على كيفية إدارة العملية الانتخابية. ويبرهن إيقاع عقوبة على المقاطعة على عدم وضوح مفهوم الديمقراطية، ومفهوم حرية الرأي والتعبير.
بالإضافة إلى ذلك، يصعب تطبيق العقوبة المقررة، فكيف يتم تطبيق عقوبة على ملايين الناس الذين قرروا مقاطعة الانتخابات؟ كما تفتح الباب للتعسف في تطبيق العقوبة، فلم تحدد المادة حدا أدنى للغرامة، بل حدا أقصى فقط مما يفتح الباب لاستنسابية تطبيق الغرامة.
كما فتحت المادة الباب أمام الرشاوى الانتخابية وتوجيه المواطنين، فمن الممكن أن يحث مرشح ما عددا من المواطنين للتصويت له بحجة الهروب من دفع الغرامة، وبذلك نكون انتقلنا من توزيع «الزيت والسكر» والنقود للحث على التصويت، إلى مرحلة الحث على التصويت للهروب من العقوبة.
تخفيض النسبة المحددة عند توافر مرشح واحد: هل يضمن القانون تمثيل اختيار الناخبين؟
نصت المادة 36 من القانون على «يتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية حتى لو تقدم للترشح مرشح وحيد أو لم يبق سواه بسبب تنازل باقي المرشحين وفي هذه الحالة يعلن فوزه إذا حصل على 5% من إجمالي عدد الناخبين المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين»، وقد تم تخفيض هذه النسبة عن تلك التي نصت عليها تعديلات القانون الصادرة في عام 2012 والتي حصلت طبقا لها الانتخابات السابقة، حيث نصت المادة 37 من القانون السابق على ضرورة حصول المرشح «الوحيد» على «الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم الصحيحة».
نلاحظ أن المادة 36 من القانون الحالي نصت على نسبة الـ5% من إجمالي عدد المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين، وليس 5% من عدد الأصوات الصحيحة، وهو ما يمكن حسابيا أن يرفع النسبة قليلا، ولكن يختلف الأمر على حسب عدد الأصوات الصحيحة، إذا انخفضت أو ارتفعت، وكان من الأحرى أن يبقى المشرع على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة كما نص في المادة 39 عند توافر عدد من المرشحين. وذلك لأن النسبة المقررة (5%) تطرح العديد من الأسئلة، فاذا فرضنا أن الأغلبية من عدد الأصوات الصحيحة قالت «لا» للمرشح، ولكنه حصل على نسبة الـ5% من إجمالي عدد من لهم حق الانتخاب، فهل يعتبر ذلك تعبيرا حقيقيا عن اختيار الناخبين؟ بالطبع لا، فكان الأحرى أن يتم توحيد القاعدة التي يتم على أساسها حساب النسب، كما كان من الأحرى الإبقاء على نسبة الأغلبية المطلقة حتى عند توافر مرشح واحد، ولكن الوضع الحالي يمشي بقاعدة «الموجود يسد».
الدعاية الانتخابية: القانون يسري فقط على وسائل الإعلام المملوكة للدولة
جاء في المادة 6 من القانون الخاصة باختصاصات اللجنة العليا للانتخابات، أن تضع اللجنة «القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية المنصوص عليها في هذا القانون والتحقق من تطبيقها على نحو يكفل المساواة بين المرشحين في استخدام وسائل الإعلام المملوكة للدولة سواء المسموعة أو المرئية أو الصحف والمطبوعات الصادرة عن المؤسسات الصحفية لأغراض الدعاية الانتخابية واتخاذ ما تراه من تدابير عند مخالفتها»، وفي المادة 20 «تلتزم وسائل الإعلام المملوكة للدولة، المرئية والمسموعة والمؤسسات الصحفية بتحقيق المساواة بين المرشحين في استخدامها لأغراض الدعاية الانتخابية». وهنا نلاحظ أن القانون فرض المساواة في استخدام وسائل الاعلام المملوكة للدولة دون غيرها على الرغم من أنه يعرف الدعاية الانتخابية في المادة 18 منه على أنها «تتضمن الدعاية الانتخابية الأنشطة التي يقوم بها المرشح ومؤيدوه، وتستهدف إقناع الناخبين باختياره، وذلك عن طريق الاجتماعات المحدودة والعامة والحوارات، ونشر وتوزيع مواد الدعاية الانتخابية، ووضع الملصقات واللافتات واستخدام وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة والالكترونية، وغيرها من الأنشطة التي يجيزها القانون أو القرارات التي تصدرها لجنة الانتخابات الرئاسية»، أي أنه لم يقصر الدعاية الانتخابية على وسائل الإعلام المملوكة للدولة فقط.
نلاحظ أنه حين أجاز القانون استخدام وسائل الإعلام المختلفة المملوكة للدولة والخاصة في الدعاية الانتخابية، فرضت المساواة في تلك المملوكة للدولة فقط دون غيرها، فيما تركت لوسائل الإعلام الخاص الحرية في المفاضلة بين المرشحين كاملة من دون ضوابط في هذا الشأن، وهو أمر من شأنه أن يخل بشكل كبير بمبدأ المساواة بين المرشحين.
=====
في النهاية لا يمكن أن يتم وضع قانون لمنع شخص ما من الترشح على طريقة ترزية القوانين وإذا كان بعض المبررين يقولون إن المستهدف من المنع من الترشح هو مرسي أو مبارك فهذا هو العبث بعينه لأن القوانين لا يتم تفصيلها طبقا لأهواء من يضعونها.
فليترشح من يشاء وليختر الشعب من يريده وبالتوازى مع البيئة القانونية للانتخابات الرئاسية فإن المناخ السياسي الذي سيسبق الانتخابات ويصاحبها سيكون محددا مهما فى الحكم على نزاهة الانتخابات وحيدتها وقد يكون سببا للمشاركة أو للمقاطعة لذلك فالاستمرار فى الممارسات الحالية لا يشجع أحدًا على المشاركة أو الشراكة السياسية بأي حال بل يجبره على الدخول في مربع المعارضة.
هل يدرك من يقودون المشهد ضرورة تصفير الصراعات وتهيئة المناخ أم يستمرون في السير نحو الهاوية؟ الأيام القادمة ستنبئ عن المستقبل.
القانون طلع يعرف زينب!
مقالات -