لسنا وحدنا من ينشغل بالأصابع: «صباع مرسى» و«صباع الكفتة»، فالبنتاجون تخصص ميزانية سنوية لمركز أبحاث تابع له يدرس «صباع بوتين»، ولقد ذكرت صحيفة «يو إس إيه توداى» الأمريكية أن مشروع «إشارات الجسد» الذى يدعمه «مكتب التقييم» التابع للبنتاجون يقدّم تقارير بحثية إلى وزير الدفاع تشاك هاجل، يستخدم فيها تحليل لغة الجسد للتنبؤ بطريقة تصرّف بوتين لالتقاط أى إشارات قد تساعدهم على استباق تصرّفاته حيال الموقف فى أوكرانيا، ولكن جون كيربى، كبير المتحدثين باسم البنتاجون، سارع لنفى علاقة بوتين بالموضوع، إلا أن نفيه كان من ناحية ثانية تأكيداً للخبر، وتوضيحاً لوجود مركز أبحاث يهتم بدراسة لغة الجسد عند مجموعة من زعماء العالم من بينهم بوتين، لكن المركز- كما شرح كيربى- ليس متخصصاً فى بوتين، وليس له أى علاقة بأزمة أوكرانيا! شغلنى الخبر الذى بثته وكالات الأنباء، واستقبله كثيرون باعتباره مجرد خبر طريف، لأنه أثار بداخلى تساؤلات حول وسائل دعم اتخاذ القرار فى وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون)، فهل البنتاجون فعلاً تؤمن بأن لغة الجسد علم يمكن الاستعانة به لفهم سلوك وطريقة تفكير زعماء الدول التى تهتم بها الإدارة الأمريكية، وفى مقدمتها بالطبع روسيا؟
دافع كيربى عن أهمية هذه الدراسات، واعتبرها ضمن الدراسات الوقائية للمساعدة فى تأمين المستقبل من المخاطر التى قد تنجم عن سلوك انفعالى من بعض الزعماء، فنحن عندما نعرف أن هذا المسؤول عدوانى أو عنيف فإننا نستعد لتفادى ردود أفعال واحتواء الموقف، والوصول إلى أفضل الطرق للتعامل مع الآخرين بأقل الخسائر الممكنة، وسبق لبريندا كونورز المسؤولة عن هذا المركز أن نشرت مقالاً فى صحيفة رود أيلاند تناولت فيه لغة الجسد عند بوتين، ودرست إشارات أصابعه سواء بعلامة النصر أو رفعه السبابة للتهديد والوعيد، وقدمت تحليلاً عن عدم انتظام طريقته فى المشى، واستنتجت أن هذا الخلل يتم تعويضه بحاجة ملحة إلى السيطرة على كل من حوله. وهذه المعلومات التى استنتجتها كونورز أصبحت لها أهمية كبرى الآن، فهل يمكن تصديق أن البنتاجون تتعامل مع مثل هذه المعلومات باعتبارها وسيلة لاتخاذ قرار تجاه الأزمة الأوكرانية؟ أم أن أمريكا لا تريد أن يفوتها أى وسيلة لفهم غريمها التقليدى، لاكتشاف كعب أخيل؟ أم أن الأمر كله مجرد استعراض أمريكانى، فهناك دائماً مواضيع يتم تسويقها للعامة، كما حدث من قبل عند الحديث عن الرئيس الفرنسى ميتران واستعانته بالمنجمة الشهيرة إليزابيث تيسيه التى نشرت كتاباً بعد وفاته عن علاقتها به، وكيف كان يطلب منها المشورة قبل الإقدام على اتخاذ قرارات مصيرية تخص بلاده. مثل هذه المواضيع محببة للقارئ، فالباحثة بريندا تقرأ حركة الجسد والمنجمة إليزابيث تيسيه تقرأ الطالع، وفى كل الأساطيرالقديمة كان هناك العراف الأعمى الذى يرى دائماً أبعد مما يرى المبصرون، ولكن الواقع يقول شيئاً آخرـ إنه لا يتم الاستماع إلى أى من هؤلاء، فاسم صدام حسين ذُكر ضمن الزعماء الذين درست لغة جسدهم، فهل دراسة لغة جسده أثبتت أنه كاذب، وأنه يمتلك أسلحة دمار شامل ويرعى الإرهاب؟ وعلى هذا الأساس تم غزو العراق وتدميره وإحداث هذه الفوضى غير الخلَّاقة، أم أن الدوافع كانت أكبر من الحديث عن نبرة الصوت وإيماءة الرأس والتهديد بالسبابة؟ المهم أنه لا أحد يعرف حتى الآن ما مصير القرداتى بعد أن مات القرد.
ektebly@hotmail.com
البنتاجون تدرس صباع بوتين
مقالات -