كلنا يعرف الأثر الثقافى الذى تركته الحملة الاستعمارية الفرنسية على مصر، حيث أصبحت اللغة الفرنسية هى لغة الطبقة الراقية فى مصر ولغة الثقافة والفنون والآداب، تلا ذلك تأثر مصر بالاحتلال الإنجليزى لها على المستويين الثقافى والأدبى، الأمر الذى يجعلنا نشير إلى أن رياح الاستعمار بقدر ما جلبت إلى مصر والمنطقة العربية استغلالاً اقتصادياً ونهباً لثرواتها بقدر ما أحدثت من تأثير ثقافى وحضارى كان له أثر فى إيقاظ الشعور القومى بضرورة جلاء المستعمر عن البلاد.
ما قصدته من هذا العرض التاريخى هو التأكيد على الدور الثقافى والتأثير الحضارى لشعب من الشعوب ولدولة من الدول فى محيط العالم الخارجى، والتأثير على تلك الدول ثقافياً وحضارياً وأثره الاقتصادى والاجتماعى بطبيعة الحال، فالثقافة فى هذه المرحلة، كما ذكرت فى المقدمة، ليست ترفاً وإنما هى مشروع يتجه إلى الروح والعقل تمهيداً للتأثير على الجسد سواء كان هذا الجسد جسداً إنسانياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو حضارياً... إلخ من التأثيرات المادية للثقافة باعتبار تأثير العقل والروح على الجسد.
فى هذا السياق، أرى أن النشاط الثقافى المؤسسى المصرى الخارجى يقتصر على المكاتب الثقافية التى تعمل فى إطار بعثاتنا الدبلوماسية فى الخارج، بالإضافة إلى عدد محدود من المراكز الثقافية المتميزة مثل الأكاديمية المصرية بروما، ومعهد العالم العربى فى باريس، غير أننى أجد أن أنشطة المكاتب الثقافية فى خارج البلاد تهتم بدرجة أكبر بالجوانب الإدارية والتنظيمية الخاصة بالإشراف على الدارسين المصريين لدرجتى الماجستير والدكتوراة وبعض الجوانب الفنية الأخرى.
إن الأمر يدفعنى لأن أطرح فكرة تأخذ بها دول عديدة فى مجال نشر ثقافتها وحضارتها، خاصة أننا حتى اليوم لم نقم بما تقوم به دول أخرى فى هذا المجال، وسوف أعرض فى هذا الإطار نموذج «المجلس البريطانى The British Council» وكلنا يعلم الدور الذى يقوم به هذا المجلس فى نشر الثقافة والفنون والآداب الإنجليزية، وفروعه ممتدة فى جميع أرجاء العالم تقريباً، فإننى أطرح فكرة إنشاء «المجلس المصرى The Egyptian Council» ليقوم بنفس الدور الذى يقوم به المجلس البريطانى وليكون بديلاً عن المكاتب الثقافية التى تعمل فى إطار البعثات الدبلوماسية، بحيث يأخذ هذا الكيان الجديد وضعية مستقلة ويكون له دوره فى نشر اللغة العربية والثقافة العربية المصرية بفنونها وآدابها.
ولست بحاجة إلى الإشارة إلى دور المراكز الثقافية الفرنسية المنتشرة فى جميع أرجاء العالم، والمراكز الثقافية الصينية، والروسية، والألمانية، ودور معهد جوته فى نشر الثقافة الألمانية فى أرجاء العالم، وهو ما يدفعنى إلى دعوة الجهات المختصة بوزارتى الثقافة والتعليم العالى لدراسة الفكرة ووضعها موضع التنفيذ حتى نلحق بقطار التقدم العالمى، ويكون لنا موطئ قدم فى التأثير على شعوب العالم.