أيام سُلف التوزيع التى كان المنتج الصغير يحبو من أجلها، بينما السيناريو الموعود تحت إبطه، والمخرج المحظوظ يتبع خطواته، راسمًا فيلمه فى خياله، والنجم المطلوب يُعِد قائمة شروط تعاقده.. بالرغم من كل هذا الذل المتداول بين الجميع، كأنه طبيعة الأمور، كانت الأفلام تُصنع متغاضية عن طُغيان رأس المال فى سبيل تحقيق حلم تجارى قد يحمل رؤية فنية. المدهش فعلا هو أننا إذا فحصنا دهاليز الإنتاج السينمائى فى تلك المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا -الانتقال من حكم ملكى إلى حكم جمهورى- لاكتشفنا أن فى كثير من الأحيان الفيلم «الصفقة» كان يتم بلا رأس مال ثابت، بل يعتمد على مبدأ السلف المتنقلة بين الأطراف. المنتج الصغير يحصل على سُلفته من الموزع الذى منحها بناء على بيع مُسبق للخارج والقروش القليلة التى صرفها المنتج الصغير مؤقتا تعود إليه فور حصوله على سُلفة التوزيع. يعنى باختصار كل واحد حاطط إيده فى جيب اللى قبله. هكذا كانت تصنع الأفلام. فى السنوات الأخيرة حدث انقلاب فى صناعة السينما، بدءا من ظهور النظام الرقمى «الديجيتال» -الذى طور سُبل التنفيذ والعرض- إلى ارتداء الموزع بدلة المنتج واستثماره العقارى لدور العرض ليهيمن تجاريا وفنيا على الفيلم المُنتج. من إيجابيات الديجيتال هو ولادة الفيلم المستقل إنتاجيا، ذى الطموحات الفنية أمام سلبيات الموزع المنتج المالك، الذى حبذ التجارة عن الفن، فى هذا المناخ الضبابى ظهر فرسان الإنتاج الجُدد مستغنين عن فكرة سُلف التوزيع، ومعتمدين على شتى الطرق لتمويل مشاريعهم عن طريق الدعم الثقافى، سواء عبر مؤسسات أو عروض إنتاجية خلال المهرجانات السينمائية محليا ودوليا، وتعلموا التأقلم على النَّفس الطويل من أجل تحقيق أفلامهم. مشوار وعِر عبر مؤتمرات وندوات وجلسات عمل مفتوحة، تتنافس فيها المشاريع بالطرح أمام جهات إنتاجية من أنحاء العالم، كل هذه الخطوات قد تستغرق سنة أو اثنتين.
نتاج جُهد هؤلاء الفرسان ظهور أفلام حصدت جوائز محلية ودولية، وبدأت تؤسس لنفسها سوقا محلية جمهورها فى حالة عطش وجدانى لأفلام تخاطب عقله. من فرسان هذه المرحلة محمد حفظى، ووائل عمر، ومحمد سمير، وحسام علوان، ظهرت معهم أفلام مثل «مايكروفون»، و«الخروج للنهار»، و«فرش وغطا»، و«عشم»، و«فيلا ٦٩»، ومؤخرا «لا مؤاخذة»، و«فتاة المصنع»، وأخرى فى الطريق. جمهور هذه الأفلام ينمو يوما بعد الآخر، وإن كانت لا تُهدد استمرارية النوعية السائدة، إلا أنها تستطيع أن تنافس.