فى خطوة تصعيدية جديدة، وردا على تهديدات برلمان كييف بحل برلمان جمهورية القرم، فى حال إذا لم يتراجع عن إجراء استفتاء تقرير المصير فى ١٦ مارس الحالى، صدَّق برلمان القرم على بيان حول استقلال شبه الجزيرة عن أوكرانيا، ونيته الانضمام إلى روسيا. وقال رئيس البرلمان فلاديمير قسطنطينوف إن هذه الوثيقة ضرورية لإجراء الاستفتاء المرتقب حول الانضمام المحتمل للقرم إلى روسيا.
كما أصدر برلمان القرم قرارا يقضى بمنح تتار القرم ضمانات لإعادة حقوقهم وتكاملهم مع مجتمع شبه الجزيرة، حيث يبلغ عددهم ٣٥٠ ألف نسمة. ويصل عدد الأوكرانيين إلى ٣٥٠ ألف نسمة أيضا. بينما يصل عدد الروس فى شبه الجزيرة إلى المليون ونصف المليون نسمة. وأشار نص الوثيقة إلى ضرورة أن يتضمن الدستور الجديد لجمهورية القرم عددا من الضمانات، منها إعطاء لغة تتار القرم صفة لغة رسمية إلى جانب اللغتين الروسية والأوكرانية؛ وضمان تمثيل تتار القرم فى المجالس البلدية وغيرها من أجهزة الإدارة، والاعتراف بالآليات الإدارية الخاصة بتتار القرم، ومنها المؤتمر القومى لشعب التتار «كورولتاى».
وأعلن رئيس برلمان القرم فلاديمير قسطنطينوف أن بيان الاستقلال يمنح القرم صفة دولة، الأمر الذى يقتضى حذف عبارة «الذاتية الحكم» من تسمية الجمهورية، التى سيبت أمر انضمامها إلى روسيا فى الاستفتاء الأحد المقبل. ووصف رئيس البرلمان بيان الاستقلال بأنه وثيقة لا بد منها للاعتراف بشرعية انضمام القرم إلى روسيا الاتحادية.
وشدد قسطنطينوف على أن جمهورية القرم تعترف بـفيكتور يانوكوفيتش رئيسا شرعيا لأوكرانيا، غير أنه استبعد عودة القرم إلى تشكيل الدولة الأوكرانية، موضحا أن سكان شبه الجزيرة «حسموا أمرهم وسلكوا طريقا لهم مستخدمين حقهم فى تقرير مصيرهم».
من جهة أخرى ومع تصريحات وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بأن الولايات المتحدة تحاول تصوير الوضع بأنه صراع بين موسكو وكييف، واصفا ذلك بالتصورات الوهمية لصراعات وهمية ليس لها وجود، قرر مجلس الدوما الروسى النظر فى مشروع قانون من شأنه أن يسهل عملية انضمام أراض جديدة إلى روسيا الاتحادية، وذلك خلال جلسة مقررة له يوم 21 مارس الحالى، أى بعد الاستفتاء المزمع إجراؤه فى جمهورية القرم يوم الأحد المقبل. وأعلن النائب فياتشيسلاف نيكونوف أن عملية تقديم الملاحظات والتعديلات على مشروع القانون الذى قدمه حزب «روسيا العادلة»، ستستمر حتى 18 مارس.
كان زعيم حزب «روسيا العادلة» سيرجى ميرونوف قد أعلن بوضوح أن المشروع الذى قدمه لتعديل القوانين الروسية المتعلقة بضم أراض جديدة، جاء خصيصا للقرم. ويسمح القانون الروسى حاليا بضم جزء من دولة أجنبية إلى روسيا تلبية لطلب الدولة نفسها. لكن التعديل المطروح ينص على أنه، فى حال استحالة عقد اتفاقية دولية بشأن ضم أراض جديدة لروسيا، نتيجة عدم وجود سلطة فعالة فى الدولة الأجنبية تحمى المواطنين وتدافع عن حقوقهم وحرياتهم، فيسمح بضم أجزاء من هذه الدولة، بناء على نتائج استفتاء يعرب خلاله سكان الأراضى عن رغبتهم فى دخول قوام روسيا.
وأشار حزب «روسيا العادلة» إلى أن طرح مشروع القانون جاء ردا على الأحداث فى أوكرانيا، حيث باتت مؤسسات السلطات مصابة بالشلل بسبب الأزمة السياسية. هذا ولا تعترف السلطات فى القرم وفى عدد من مناطق شرق وجنوب أوكرانيا بشرعية قرارات برلمان كييف والسلطات الأوكرانية الجديدة، وذلك بعد عزل فيكتور يانوكوفيتش.
وفى ظهور ثان له من أراضى روسيا، حمل الرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش الحكام الجدد فى كييف مسؤولية تدهور الوضع الأمنى والاجتماعى فى البلاد، وسعى القرم للخروج من قوام أوكرانيا، مصرا على أنه لا يزال رئيسا شرعيا وقائدا عاما للقوات المسلحة فى البلاد. وقال يانوكوفيتش فى بيان صحفى مقتضب من مدينة روستوف على الدون جنوب روسيا: «أريد أن أذكركم أنى الرئيس الشرعى، بل وأيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة.. لم أتخل عن صلاحياتى قبل الموعد، كما لم تتم إقالتى من المنصب بالطريقة التى ينص عليها دستور أوكرانيا».
وسخر يانوكوفيتش من الشائعات حول وفاته أو إصابته بمرض، لكنه قال إنه يشعر «بقلق عميق للغاية» من الأحداث المتواصلة فى أوكرانيا. واعتبر أن رقعة الفوضى فى أوكرانيا تتسع، بينما يريد من استولى على السلطة فى كييف إشعال حرب أهلية فى البلاد ووضع الجيش تحت الأعلام النازية. واعتبر أنه تحت ستار الحكومة الجديدة، «تنشط فى البلاد عصابة من القوميين المتطرفين والنازيين الجدد يسعون للاستيلاء على منصب الرئاسة».
واتهم يانوكوفيتش المتطرفين بالاستيلاء على مؤسسات السلطة المحلية بالقوة، وإقالة قيادة الشرطة والأجهزة الأمنية ليس فى كييف فحسب، بل وفى أقاليم أخرى. ورأى أن الذين استولوا على السلطة فى كييف، حسب وصفه، يريدون وضع الجيش تحت أعلام بانديرا «ستيبان بانديرا هو الأب الأيديولوجى للحركات القومية المتطرفة فى أوكرانيا المسؤولة عن قتل آلاف البولنديين واليهود والروس إبان الحرب العالمية الثانية»، وإشعال حرب أهلية. وتوجه بانوكوفيتش أيضا إلى من اعتبرهم «رعاة هذه القوى السوداء فى الغرب» متسائلا: «هل أصابكم العمى؟ هل فقدتم الذاكرة؟ هل نسيتم ما الفاشية؟».
وشدد يانوكوفيتش على أن الانتخابات الرئاسية التى حددتها سلطات كييف فى 25 مايو المقبل، غير شرعية، معتبرا أن المؤسسات التى قد يتم تشكيلها نتيجة لهذه الانتخابات لن تكون شرعية أيضا. وقال: «إن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى تقول إنى فقدت شرعيتى كرئيس، لأنى هربت من البلاد. لكنى أكرر: لم أهرب، بل فى الوقت الذى استولى فيه المتطرفون على المبانى الحكومية ومقر الرئاسة وهم يحملون السلاح، وهو استيلاء على السلطة بطريقة غير دستورية، كنت، كما هو معروف، فى أوكرانيا». كما أكد الرئيس أنه ينوى العودة إلى أوكرانيا قريبا، عندما ستسمح الظروف بذلك.
وقال يانوكوفيتش إن اتفاقية تسوية الأزمة التى وقع عليها يوم 21 فبراير الماضى مع المعارضة، كانت تعطى ضمانات ليس له شخصيا، بل كانت تضمن السلام المدنى فى أوكرانيا. واعتبر أن الشركاء الأوروبيين داسوا على تلك الاتفاقية بأقدامهم. كما أعرب عن استغرابه من قرار القيادة الأمريكية تقديم مساعدات بقيمة مليار دولار للحكومة الجديدة فى كييف. وقال إنه ينوى التوجه إلى الكونجرس الأمريكى، وتحديدا إلى مجلس الشيوخ وإلى المحكمة العليا للولايات المتحدة، ليطلب منهما بإلحاح تقييم مدى شرعية خطوات الحكومة الأمريكية.