وردَ إلى موقعنا على الإنترنت سؤال من الأستاذ عادل إمام يسأل فيه عن حكم الشرع الإسلامى فى تجسيد دور الأنبياء فى الفن.. أى هل هذا مُحَرَّم أم مباح؟ وللإجابة عن هذا السؤال: بداية بتوفيق من الله وإرشاده وسعيًا إلى الحق ورضوانه وطلبًا للدعم من رسله وأحبائه، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد بن عبد الله، أيضًا نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحد منهم أما بعد، فتجسيد دور الأنبياء فى الفن، قضية ظهرت على السطح مجددًا بسبب العرض الحالى لفيلم النبى نوح عليه السلام وقد تبارت الآراء فى التعبير عن رفضها لهذا الفيلم بسبب تجسيد دور النبى نوح، وأعلنت تحريم تجسيد دور الأنبياء فى الفن، وقد اختلفت أسباب التحريم عند أصحاب هذا الرأى، فمنهم من أرجع استناده -كما قال- إلى إجماع الفقهاء على التحريم، ومنهم من استند إلى بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى فى سورة الأنعام «وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ مَن نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلًّا هدينا ونوحًا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضَّلنا على العالمين»، ورأى آخر استند إلى قوله تعالى فى سورة الأحزاب «إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا»، كما أن مؤسسة الأزهر الشريف قلعة العلم الإسلامى فى العالم والتى نتشرف بانتمائنا إليها، قد حرَّمت تجسيد دور الأنبياء فى الفن دون أن توضح أو تعلن الأدلة الشرعية على ذلك.
ومع كل احترامنا لكل هذه الآراء نناقشها ونرد عليها بالعلم والأدلة الشرعية بالترتيب: أما بالنسبة إلى مَن قال بالتحريم استنادًا إلى إجماع الفقهاء، نقول له يا سيدى هذا الكلام غير صحيح، ولم يحدث أى إجماع للفقهاء على ذلك فى أى عصر من العصور، وإلا فليدلّنا هو فى أى وقت اجتمع كل علماء الإسلام فى العالم وقرروا ذلك، ولكن من الأصح أن نقول إن الغالبية من الفقهاء تقول بذلك، ومع ذلك فهذا لا يعطى الحق المطلق فى صحة هذا الرأى لأنها آراء بشرية تصيب وتخطئ، ولا أحد يستطيع إغلاق باب الاجتهاد فى الرأى والتفسير. أما الرأى الذى قال بالتحريم استنادًا إلى آيات سورتى الأنعام والأحزاب وغيرها، نقول لهم تفسيركم غير صحيح وفى غير محله والآيات لا صلة لها مطلقًا بموضع تجسيد دور الأنبياء فى الفن، وأسباب نزول هذه الآيات بعيدة تمامًا عن ذلك وأنتم تعلمون، وإن كنتم لا تعلمون فالآيات لها مدلولات وسياقات حدثت وقت نزولها لا صلة لها بالفن وتجسيد دور الأنبياء، فلا تؤوّلوا النص عن مدلوله الحقيقى، وقولكم هو مجرد تحليل واستنتاج وهدف ترغبون فيه لم يقل به رب الشرع. أما رأى الأزهر الشريف فكان كبيرًا كما تعوَّدنا، ولم يَسُق أدلة فى غير موضعها، ونحن نعلم كم الضغوط التى تواجهها مؤسسة الأزهر من المتطرفين والمتشنجين المتعصبين والتى قد تكفّر الأزهر. لكن الرأى عندنا أنه لا يوجد مانع شرعى من تجسيد دور الأنبياء فى الفن، لأنه ليس من المعقول أن يخشى الله على أنبيائه من مجرد فيلم، والقول بالتحريم إضعاف لصورة الله وثقته فى أنبيائه، فكيف نخشى على النبى من فيلم والمعلوم أن الضعيف يخشى من القوى، فهل الفيلم أقوى من النبى ورسالة السماء؟
وعلى الله قصد السبيل وابتغاء رضاه.
الشيخ د.مصطفى راشد، عالم أزهرى وأستاذ للشريعة الإسلامية، ورئيس جمعية الضمير العالمى لحقوق الإنسان وعضو اتحاد الكتاب الإفريقى الآسيوى ونقابة المحامين المصرية والدولية والمنظمة العالمية لحقوق الإنسان.