غابت هيبة الدولة المصرية على الصعيدين الداخلى والخارجى منذ ثلاث سنوات. غابت على الصعيد الداخلى بأن هانت ووهنت فى عيون مواطنيها، فلا الذى يبحث عن حمايتها نال هذه الحماية، ولا الذى كان يهابها وجد هذه الهيبة، فاضطر الأول إلى البحث عن سبل لحماية نفسه وأسرته من بطش وبلطجة الثانى. وغابت هيبة الدولة المصرية على الصعيد الخارجى، بأن فقدت قوتها ونفوذها فى عيون القوى الدولية والإقليمية، وبدلا من أن تلعب مصر دورا خارج حدودها باتت ملعبا للقوى الدولية والإقليمية، بل أصبحت مرتعا للقوى الصغيرة والهامشية التى وجدت الفرصة سانحة للتسلل إلى قلب الدولة المصرية. كانت سنة حكم مرسى والجماعة هى سنة سقوط هيبة الدولة المصرية بالكامل، حاولت مؤسسات الدولة المصرية الحفاظ على أركان الدولة وأسسها، بذلت كل جهد ممكن لمنع الانهيار. كانت فترة قاسية للغاية على المصريين، فالشعب اعتاد على العيش فى ظلال دولة مركزية قوية، لم يختبر من قبل حالة اللا دولة ولا الحالة الفوضوية. نعم تعرضت مصر فى مراحل سابقة لهزات شديدة، لكن الدولة المصرية سرعان ما كانت تسيطر على زمام الأمر سريعا. كانت الفترة من ١١ فبراير ٢٠١١ وحتى الثالث من يوليو ٢٠١٣ فترة عصيبة للغاية على الشعب المصرى وعلى مؤسسات الدولة، فالقضية الأساسية كانت تصدع مؤسسات الدولة المصرية، فقد تلقت الشرطة المصرية ضربة قاسية اعتبارا من الثامن والعشرين من يناير ٢٠١١، ضعفت، ووهنت، وخارت قواها، ومن ثمّ غاب الأمن عن الشارع المصرى وانتشرت الفوضى والبلطجة والسرقات، وبدأت الجماعة فى السيطرة التدريجية على مؤسسات الدولة المصرية، بدؤوا بالبرلمان وانتهوا بالرئاسة، ومن ثم شرعوا فى هدم مؤسسة القضاء وتطويع القوات المسلحة، زرعوا خلاياهم فى وزارة الداخلية وفعّلوا الخلايا التى كانت نائمة فى القضاء وباقى مؤسسات وأجهزة الدولة، أتوا بالإرهابيين من شتى أنحاء العالم، وأطلقوا من كان منهم بالسجون المصرية فباتت بلادنا قبلة للإرهابيين والمجرمين.
لم يحتمل الشعب المصرى رؤية بلده ينهار بهذه الطريقة، ويتحول إلى ملجأ للإرهابيين من شتى أنحاء العالم، تحرك الشعب واحتج، ثم ثار فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، وانحاز له الجيش وتبنى مطالبه، فكانت الثورة التى أطاحت بحكم المرشد والجماعة، صحيح أن الجماعة ورفاقها بدأت حربا شرسة على الشعب والدولة، إلا أن المصريين تحملوا كل ذلك فى سبيل استعادة دولتهم، وفى وقت بدأت فيه مؤسسات الدولة المصرية تعود وتعمل مع الشعب.
بمرور الوقت عادت الدولة المصرية ومؤسساتها، وبدأت تفرض هيبتها تدريجيا، لكن هذه الهيبة لا تزال منقوصة، بمعنى أن هناك مظاهر على غياب هيبة الدولة المصرية، أبرزها فى فوضى المرور، وسيطرة الباعة الجائلين على الشارع المصرى، والتعديات على القوانين. صحيح أن هذه المظاهر بدأت فى التراجع فى الأسابيع الأخيرة، وصحيح أن حكومة المهندس إبراهيم محلب تركز على كل ما له علاقة باسترداد هيبة الدولة المصرية، إلا أن الصحيح أيضا أن فوضى المرور وسيطرة الباعة الجائلين على الشارع المصرى تعطى الانطباع بغياب الدولة وهيبتها، ومن ثم لا بد من سرعة الحسم فى مواجهة مظاهر غياب الدولة وتراجع هيبتها. أما على الصعيدين الإقليمى والدولى فيبدو واضحا أن الدولة المصرية حققت إنجازا ملموسا أكبر مما تحقق على الصعيد الداخلى، فقد نجحت فى مواجهة تدخلات القوى الإقليمية والدولية، وكشفت تورطها فى الشأن الداخلى المصرى، بل وتحركت للفعل خارج حدودها وربما قريبا من حدود الأطراف الإقليمية التى كانت تلعب داخل الساحة المصرية، وبدا واضحا أن الأطراف المعادية لمصر بدأت تعانى مما كانت تصدره لنا.
نعم بدأت الدولة المصرية فى العودة على الصعيدين الداخلى والخارجى، ولكن عودة هيبتها داخليا تتسم ببطء ملحوظ، ومن ثم بات مطلوبا سرعة وتيرة فرض هيبة الدولة المصرية على الصعيد الداخلى.