أسعدنى جدا الرد الرسمى لوزارة الداخلية على بيان روابط الألتراس.. وأظن أنها إحدى المرات القليلة التى أجادت فيها وزارة الداخلية استخدام عقلها وليس العصا الغليظة التى فى يدها.. فقد طالبت روابط الألتراس فى بيانها بخروج الداخلية وضباطها من ملاعب الكرة.. وقالوا، فى بيانهم، إن الداخلية هى السبب الحقيقى فى أى عنف أو خوف ودم وموت فى كل وأى ملعب كرة فى مصر.. وأكدوا، فى ختام بيانهم، أنهم سيتجمعون أمام أنديتهم السبت المقبل لإجبارها على طرد الداخلية والاستعانة بشركات أمن خاصة لتنظيم وتأمين مبارياتها.. وتوقع قادة هذه الجماعات والروابط أن وزارة الداخلية قطعا لن تصغى لهذا البيان أو تلتفت إليه، ولن تستجيب لهذه المطالب وتخرج من ملاعب الكرة.. وكان هذا هو ما يريدونه ليبدأ صدام جديد وعنيف بينهم وبين الأمن تتسع دوائره يوما بعد يوم، وتتفتح بسببه أو كنتيجة له أبواب الفوضى والاضطراب من جديد.. إلا أن وزارة الداخلية فاجأت الجميع برد رسمى على هذا البيان أشارت فيه إلى موافقتها على مطالبهم.. وأنها، بداية من الموسم المقبل، ستخرج تماما من ملاعب الكرة وستتركها لجماهيرها وروابط الألتراس وشركات الأمن الخاصة.. وأنا لا أشكر وزير الداخلية على استجابته وانسحابه هو ورجاله من ملاعب الكرة.. إنما أشكره لأنه أولا بهذا الرد أطفأ نارا كان يريدها البعض ويحتاجون إلى إشعالها.. ولأنه ثانيا أخرج ضباطه وعساكره من الملعب ليضع الألتراس أمام شركات الأمن الخاصة.. وسنجلس كلنا بهدوء نشاهد كيف سيتعامل قادة الألتراس مع أفراد هذه الشركات.. وهل سيعنى ذلك ألا تكون هناك أى ضوابط وتفتيش ويصبح بإمكان أى أحد إدخال أى سلاح أو صواريخ لأى ملعب..
وإذا كان ألتراس الأهلى والزمالك قد وقعا معا على هذا البيان الذى وافقت عليه الداخلية.. فهل سيدوم هذا الوفاق حين سيلعب الأهلى أمام الزمالك.. وهل ستكون هناك شركة أمن خاصة بالأهلى وشركة أخرى خاصة بالزمالك.. وماذا لو بدأ اشتباك داخل المدرجات أو خارجها.. هل ستملك هذه الشركات الخاصة القدرة والكفاءة للتعامل مع هذا الحال أو تلك الفوضى المتوقعة؟.. وهل تملك الأندية أصلا فائضا من المال للتعاقد مع هذه الشركات الخاصة؟.. أما الأهم على الإطلاق فسيكون خسارة أعضاء الألتراس كل مبررات العنف والصخب داخل الملاعب والمدرجات.. فالداخلية انسحبت والمسؤول عن الأمن هو شركات خاصة لا يعرفها أحد، وليس لأى جمهور لديها أى ثأر أو يريد منها القصاص والانتقام.. وهذا هو أجمل ما قام به وزير الداخلية، أو أنه الخنجر الذى لم ينتبه قادة الألتراس إلى أنهم يغرسونه فى قلوبهم وظهورهم وليس فى قلب وظهر أى ضابط أو عسكرى.. فالذى لا يعيش أو يتألق إلا فى ظل الأزمات والعنف والصراخ.. ينتفى دوره وضرورته ويموت إن تم حل الأزمات وانتهى العنف.. ولن يستطيع أى أحد مستقبلا التعاطف مع الألتراس عند أى مشكلة أو تخريب وحرق، لأن رجال الداخلية أصحاب المجاميع المتدنية فى الثانوية العامة لن يكونوا حاضرين حتى يتم اتهامهم بأنهم هم السبب وأنهم أيضا هم المشكلة.