أيام ويكون قد مر شهر على وفاته.
تاجر به الكثيرون، وتحدث عنه كثيرون بصدق وحب. وهناك أكثر وأكثر عرفوه وعرفوا صفات نبيلة لم يكن يتباهى بها ولم يتحدّث يومًا عنها.. عاشوا أحلامه التى كان يتمنى الوصول إليها فى حياته.
رحمة الله عليه، لم أتشرف إلا بمعرفة سطحية به، ومقابلتين لا أكثر، وأتمنى أن لا تنقطع سيرته الطيبة كما انقطع شريط أحلامه عن هذه الدنيا.
لا أحتاج إلى ذكر اسمه، فبالتأكيد قد فهمت أنى أتحدث عن المخرج الراحل محمد رمضان. حاولت أن لا أكتب عنه شيئًا منذ وفاته، فأنا لا أعرفه جيدًا ولن أضيف إلى ما قاله المقربون منه. ولكن ابتسامته ظلّت تطاردنى، تخيلته يجلس فى غرفته التى نشر صورتها قبل وفاته بأيام وهو يجلس فيها على اللابتوب، تخيلته يكتب فيلمه الطويل الأول وهو يتمنّى أن يرى النور ويحلم بالمهرجانات التى سيشارك فيها، والإيرادات التى سيحققها والحفاوة النقدية التى سيلاقيها. تخيلته وهو يصطدم بجُمل من نوعية «آسفين بس السوق مش عايزة النوعية دى من الأفلام».. و«الناس عايزة تفرفش وتمبسط».
تخيّلت كم الشخصيات «البعض بالتأكيد ليس الكل» ممن حضروا عزاءه، كان يحاول هو أن يصل إليهم ليقدم موهبته المحرومة من الظهور، ولم يمنحوه حتى فرصة تحديد ميعاد المقابلة، لكنهم لم يترددوا فى حضور عزائه لزوم الشو.
تخيّلت دولة تحارب أمثاله الكثيرين إذا ما حاول أن يقوم بالتصوير فى الشارع أو يصنع فيلمًا يعبّر عما يخالف وجهة نظرها برقابتها وسلطتها التى لم تسمع يومًا عن شىء اسمه «موهبة»، ولم تقدم له ولهم سوى «الكفن».
تذكّرت أنه رحل دون أن يحقّق أيًّا من أحلامه بسبب مشكلات ليس له يد فيها سوى أنه كان حيًّا فى منظومة صناعة تحتاج إلى هدم أولًا ثم بناء من أول وجديد. تذكرت أن هناك آلافًا آخرين يشبهونه يبتسمون الآن نفس ابتسامته، يحلمون بألف حلم ويسعون لتحقيقه، كثيرون منهم لم يصلوا أيضًا لأسباب ليس لهم يد فيها.
تذكرت كل هذا وتمنيت أن نتوقف يومًا عن تكرار نفس الأخطاء بنفس الترتيب وإن اختلفت التفاصيل والأحلام، وأن نحاول مساعدة أمثاله فى الوصول إلى الحلم قبل الكفن.
عسى أن تكون وفاته سببًا فى تحقيق آمال مَن شاركوه الحلم منذ البداية، فتدوم الفاتحة على روحه دوام الأحلام.