بما أن هذه الأيام تشهد هوجة شهر المرأة عالميا ومحليا، حيث يمتلئ فضاء النقاش العام بمناسبة يوم المرأة العالمى ويوم المرأة المصرى، ثم عيد الأم بالحِكم والمواعظ والأمثلة والحكايات، حول كيف يحب المصريون المرأة ويموتون فيها، مؤكدين أنها هى سبب الوجود وعمود البيت وروح الأسرة، فهى الأم والجدة والزوجة والبنت والحفيدة اللى مانقدرش نعيش من غيرها ولا لحظة، ثم يزيدوننا من الشعر بيتًا ويقولون لنا إنها هى التى وقفت فى الثورة كتفها بكتف الرجل وطبخت لزملائها وضمدت جراحهم وأسقطت النظام وتانى يوم كنست الميدان وبيّضت الرصيف ورفعت الأعلام وهتفت لما بُحّ صوتها، وبعدين رجعت مدرستها وجامعتها وشغلها وبيتها وخدت بالها من عيلتها تمام التمام، وقبل ما تلحق تستريح نزلت فى الاستفتاء الأول وخدت معاها البنات والأولاد وكمان الأحفاد ووقفت بالساعات فى الطابور من غير ما تزهق علشان تساند العملية الديمقراطية، ولما جاءت الانتخابات البرلمانية ماكدّبتش خبر وشمرت عن أكمامها وقالت نحن لها فى ضوء التصريحات العنترية واللوذعية لجميع الأحزاب المصرية، سواء ثورية أو ليبرالية أو يسارية أو دينية وهلم جرا، حول الاعتراف بفضل المرأة ودورها المحورى ووقفتها التاريخية فقالت لنفسها أنا لازم هالاقى أسماء النساء منوّرة فى قوائم الترشيح واعتقدت أنها أكيد هاتلاقى «اسمها مكتوب» على رأى عادل إمام لكن ويا للخسارة وجدت أن كلام رفاق الكفاح الرجال مثل كلام الليل مكتوب بزبدة يطلع عليه النهار يسيح ومع ذلك فإن الست المصرية الطيبة نزلت برضه واختارت وساندت ما اعتقدت أنه حق وعدل لها ولوطنها لتشاهد بذهول برلمان الثورة وهو يبدأ بدم بارد فى قصقصة حقوقها ومكتسباتها المستحقة عبر كفاح السنوات، ورغم ذلك صبرت وقالت لنفسها أكيد فرجه قريب والمسألة مسألة وقت، وفى الغالب السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقر مش واخدين بالهم أو حاجة زى كده بالنظر إلى المهام الجسام الملقاة على عاتقهم يا حرام بصفتهم ثوريين وكده.
لكنها للأسف وجدت نفسها تقوم من حفرة لتقع فى دحديرة حيث تصاعد التحرش اللفظى والجسدى بها فى الشارع المصرى تحت غطاء من الاستباحة وغض الطرف من جانب المجتمع والدولة تحت الشعار الشهير «هوّا إيه اللى وداها هناك؟» وأصبحت الست المصرية الحمولة فى موقع الدفاع عن نفسها وآدميتها وحقها فى الكرامة الإنسانية على مدار الساعة، ولكنها مع ذلك لم تيأس وأعادت الكرّة وذهبت إلى صناديق الانتخاب فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية وصمدت فى جولة الإعادة حتى اعتقدت أن الحال قد استقر بوطنها العزيز وأن الأيام القادمة ستكون مشرقة، وأن حقوقها العادلة آتية لا ريب فيها، وأن الدستور الجديد سينصفها بلا أدنى شك فى ضوء سجلها المشرف فى تلبية نداء الوطن ولكن كما يقول المثل الشعبى «جت الحزينة تفرح مالقيتلهاش مطرح» فقد جاء ذكرها فى دستور 2012 مرتبطا بتفسير الآخرين لحقوقها ومكتسباتها وفقًا لرؤيتهم، وليت الأمر قد اقتصر على ذلك، فقد استغل الجميع، سواء فى فريق الموالاة أو معسكر المعارضة قضية حقوقها لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة وإحراز النقاط ضد بعضهم البعض دون أدنى اهتمام بأنهم يسحقون آدمية وكرامة المرأة بغلظة خلافاتهم وانتهازيتها، مساهمين بذلك بهمة ملحوظة فى تضييق الخناق حول حقوق من يدّعون حبها واحترامها على مدار الساعة!
ثم جاءت القشّة التى قصمت ظهر البعير، فبعد الملايين من السيدات من جميع مناحى الحياة وجميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية اللائى نزلن إلى الشوارع والميادين من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق يوم 30 يونيو، وما تلاه من أيام وأسابيع استيقظت المرأة ذات صباح بعد الثورة الثانية لتجد تمثيلا هزيلا ضعيفا للنساء فى الجمعية التأسيسية للدستور وتمثيلا شكليا لا يليق بها فى الوزارة الجديدة، وثبت مقولة أن «أحمد زى الحاج أحمد» فى ما يتعلق بحقوق المرأة، لكن الحق برضه يتقال فما زالت العبارات الطنانة الرنانة حول قيمة المرأة ودورها وحبّنا لها وكل هذا الفيلم الماسخ مستمر بنجاح عبر العصور، على الرغم من أننا قد حفظنا حواره وزهقنا منه، لأن أحداثه لا تتغير ونهايته مجرد كلمتين حلوين لتطييب الخواطر ومصمصة الشفاه وكده كسبنا صلاة النبى، فأرجوكم اعفونا من الاحتفالات بعيد المرأة التى تنتهزون فرصتها للترويج لأجنداتكم الخاصة بأنواعها المختلفة وشاركونا الاحتفال بالمرأة عندما تطبقون ما ورد بشأنها فى الدستور الجديد وعندما تعاملونها على قدم المساواة وفقا لكفاءتها ومؤهلاتها وليس إنعاما عليها بمنطق الاحتياجات والمنظرة أمام العالم الخارجى، احتفلوا بالمرأة المصرية عندما تعترفوا بكرامتها الإنسانية وتفوقها الفكرى ودورها الحضارى والتنويرى وعطائها المتدفق دون انقطاع لكل من حولها رغم كل التحديات والصعوبات، حينما يحدث ذلك كله سيصبح عيد المرأة قد عاد بالحال الذى نحلم به، ولن يقتصر على يوم واحد، بل سيتجدد فى كل صباح تستيقظ فيه المرأة المصرية الجدعة لتواصل تحملها لمسؤولياتها الحياتية بنجاح منقطع النظير!