15- وأخيرا سندعم السيسى للرئاسة لأن هذا يصبُّ فى مصلحة مصر وليس فى مصلحته شخصيا، فالسيسى كان من الممكن أن يظل وزيرا للدفاع ويبقى فى مخيلة الناس بطلا تاريخيا إلا أنه فضل الدخول إلى معترك السياسة التى سيطوله شرورها ونقدها ورذاذها، خصوصا بعد تفاقم المشكلات وارتفاع سقف تطلعات الناس لدوره المقبل، ومن هنا فإن العمل السياسى يعد عبئا عليه ولكن فى صالح مصر بالتأكيد فى ظل هذه الفترة الصعبة المضطربة.. وجب التنويه أن التنظيم الدولى للإخوان يصور السيسى للعالم على أنه بوينشيه آخر، فى حين يريده الإسلاميون نسخة من ضياء الحق يعمل على أسلمة الدولة والجيش، ويرى فيه الناصريون روح عبد الناصر المستنسَخة، أما نحن فنريده رجلا من طراز أيزنهاور وديجول وتشرشل، هؤلاء الرجال العظام الذين انتصروا لبلادهم فى الحرب وفى معركة بناء دولة ديمقراطية عصرية حديثة.. إن السيسى بلا شك يمثل رئيس مرحلة الخوف، الخوف على مصر من الفوضى وعدم الاستقرار ومن المؤامرات ومن تفكك الدولة ومن الإرهاب ومن الانهيار الاقتصادى ومن خطر وشر الإسلاميين المتطرفين، ولكن نأمل أن يتحول من رئيس مرحلة الخوف إلى رئيس مرحلة الأمل، ولكى يحدث ذلك ولكى ينجح كرئيس فإن هذا يتوقف على البعد عن كل الأمور التى تفسد الرؤساء والملوك، عليه البعد عن المنافقين الانتهازيين الأفاقين الذين يُصفون بأنهم رجال كل العصور، وهم يمثلون الخطر الأكبر على أى رئيس. عليه أن يأخذ مسافة بعيدا عن السلفيين برؤيتهم المنغلقة وأجندتهم المتخلفة الغارقة فى الماضى ولا ترى المستقبل. عليه كذلك البعد عن الشلل السياسية التى تلتف حول كل رئيس وتصبح مثل طبقة الكولستيرول الردىء التى تعزله عن الشعب حتى تغلق شرايين الحكم فيموت بالسكتة القلبية. عليه أن لا يجامل رجال الأعمال الفاسدين على حساب مصالح المواطن الغلبان، نعم يشجع رجال الأعمال الملتزمين المجتهدين ولكن فى نفس الوقت يحاسب بقوة الفاسدين. عليه إغلاق ما يسمى ملف المصالحة تماما، فمن يرغب فى العمل السياسى عليه أن يخضع لشروطه المدنية، أما جماعة الإخوان ومكتب الإرشاد والسعى للخلافة فهذه أمور أبعد ما تكون عن العمل السياسى الصحيح. عليه أن يراعى العدالة الاجتماعية قولا وفعلا، وليس كما كان يكرر مبارك. عليه كذلك تبديد مخاوف المصريين من عودة الحكم العسكرى الذى كان يحشو المؤسسات بضباط الجيش والشرطة مما يحرم الكفاءات من قيادة الدولة. علَى السيسى دور مهم فى ترميم الوحدة الوطنية والمواطنة من آثار عصرى السادات ومبارك. عليه أن يراعى كرامة وحقوق المواطن المصرى ولا توهمه الأجهزة الأمنية أن انتهاك حقوق البشر شىء ضرورى للمحافظة على حكمه كما أوهموا من سبقوه. عليه أن يبعد الدين عن السياسة وشرورها، وأن يكون هناك خط فاصل بين الروحى والسياسى وبين ما لله وما للبشر.. إن هذا التأييد الجماهيرى الكاسح للسيسى مهم جدا، لكنه غير كافٍ لنجاح مهمته كرئيس، فعليه أن يتبّع كتالوج النجاج ومسار التقدم الذى سلكته الدول الناجحة، وأن يختار فريق عمل كفء وعلى مستوى المسؤولية، وقتها سينجح السيسى فى إحداث نقلة نوعية لمصر ستدخله التاريخ كما دخله بحروف من نور بعد ثورة 30 يونيو.
مجدى خليل