لم يعد الحديث عن غياب الديمقراطية أو البكاء على حقوق الإنسان المهدور دمها يثيران اهتمامي، فوراء كل نداء أو تحذير تختفى مصلحة وليس أخلاق أو قيم.. أنظر حولك، كل المناطق الملتهبة فى العالم ليست سوى ملاعب للقوى العظمى، هذه القوى تقوم بدور المدرب الذى يجلس ليراقب اللاعبين الذين ينفذون خططه فى الملعب، المتفرجون يشجعون اللاعبين ويحملونهم على الأعناق، ويتحول هؤلاء لنجوم ويدخلون فى قائمة التسعير والتسويق ويصل ثمنهم للملايين، ولكن تبقى قاعدة أولية هامة يجب ألا تغيب أبدًا عن عقل أى لاعب وإن غابت سيغيب، هذه القاعدة أن المدرب يمكن أن يخرجه من الملعب فى أى لحظة لو أصبح أداؤه دون المستوى أو خالف الخطة التى وضعها المدرب أو وجد المدرب أن هناك من سيؤدى أفضل منه، ويتم استبداله بآخر.. يجلس فى انتظار هذه اللحظة على مقعد الأحتياط.. هكذا وببساطة.
خطأ رجب طيب أردوجان التاريخى أنه ظن أنه يمكنه أن يقوم بالدورين معا، دور اللاعب والمدرب، بل أضاف لنفسه دورًا ثالثًا: أن يكون حكمًا، تصور أنه يمكنه أن يكون لاعبًا إقليميًا يرتفع سعره كل يوم، ومدربًا قديرًا يضع الخطط لغيره من اللاعبين، وفى الوقت ذاته يخرج من جيبه كالحواة صافرة الحكم والكارت الأحمر عند اللزوم، أطماع أردوجان أوقعته فى الفخ، وتوهم أنه لا يمكن استبداله بآخر، فهو نجم بكل المقاييس.
مع الكشف عن حلقات الفساد فى حكومة أردوجان، والتى مست وزير الاقتصاد والداخلية، بدأت الأصابع تشير لفتح الله جولن الذى يخاف أردوجان منه على الحكم ويخشى أن يكون بديلا له فى المرحلة المقبلة، هذا الداعية الإسلامى الذى يعيش فى أمريكا منذ عام 1999 كان حليفا مهما لأردوجان فى انتخابات 2003 ولكنه الآن ينتقد سياسة رئيس الوزراء، ويبادله الأخير نفس الانتقادات ويتهمه بأنه وأمريكا وراء محاولة إسقاط الدولة التركية المتمثلة طبعا فى شخصه الكريم!!
ولقد أصبح اسم فتح الله جولن الفزاعة التى تثير مخاوف أردوجان، لذلك فهو يحاول جاهدًا الحد من تأثير ونفوذ جولن الذي يحظى أتباعه بنفوذ كبير في جهازي الشرطة والقضاء، ويتهمه بتدبير فضيحة فساد لتشويه سمعة حكومته لإسقاطه فى الانتخابات البلدية المقبلة. وفى محاولة للحد من نفوذ حركة «جولن» أصدر البرلمان التركي مؤخرًا، السبت الماضى، قرارًا بإغلاق آلاف المدارس الخاصة التي تديرها الحركة، ظنًا أن ذلك سيحرمها من جزء كبير من مصادر التمويل والنفوذ والتغلغل فى المجتمع التركى، والمعروف أن حركة «خدمة» الموالية لزعيمها الدينى فتح الله جولن تمتلك آلاف المدارس في تركيا وخارجها، بدءًا من جمهوريات آسيا الوسطى وروسيا حتى المغرب وكينيا وأوغندا وأروبا وأمريكا. لكن المدارس لا تمثل سوى جزء من إمبراطورية واسعة، حيث تمتلك الحركة صحف ومجلات ومطابع وقنوات إذاعية وتليفزيونية، وشركات تجارية ومؤسسات خيرية. ولا يقتصر نشاطها على ذلك بل يمتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من عواصم الدول الكبرى حول العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في أوروبا وأمريكا، بالتعاون مع كبرى الجامعات العالمية تناقش فيها مفاهيم الحركة.
وهو ما جعل حركة جولن تتميزعن باقي الحركات الإسلامية في المنطقة والعالم بأنها الأكثر انفتاحا على الغرب ومن ثم تلاقى ترحيبا كبيرًا منه، إذ تعتبر«النموذج» الذي ينبغي أن يحتذى به بسبب «انفتاحها» على العالم، وخطابها الفكري المتسامح، ويقترن اسم فتح الله جولن بمصطلح الإسلام التركي المتنور أو المعتدل، وهنا يجب ألا ننسى لقاء جولن ببابا الفاتيكان عام 1998 على إثر دعوة البابا له لزيارة الفاتيكان باعتباره من أنصار التعايش السلمى بين أصحاب الديانات السماوية، وكتبت الكثير من الدوريات الغربية عن جولن باعتباره زعيم حركة اجتماعية إسلامية قومية غير معادٍ للغرب، وجولن لا ينادى بتطبيق الشريعة الإسلامية ولا يعادى إسرائيل ويعتبر النموذج الديمقراطى الغربى فى الحكم هو الأفضل. ولقد سعى جولن، منذ انتقاله، للعيش فى أمريكا لإقامة علاقات جيدة مع الدوائر الأمريكية، منها دوائر القرار السياسي.
وجولن كان من أهم حلفاء أردوجان الذين قدموا له الدعم فى انتخابات 2003 وعملوا على استقرار الأوضاع فى تركيا على مدى 11 سنة من حكم أردوجان، ولكن شهر العسل انتهى بينهما وبدأ جولن ينتقد سياسة أردوجان ويتهمه بأنه حاد عن نهج الديمقراطي فى تركيا وتوقف عن محاولات إبعاد المؤسسة العسكرية فى التدخل فى شؤون الدولة، وهو بالطبع ليس سوى لاعب فى خطة كبيرة وضعت من قبل مدربين عظام وجدوا أن أردوجان اللاعب حرق نفسه وخرج عن المسار المرسوم له، وهو ما جعل العلاقة بين الحليفين السابقين متوترة، إلى أن تفجرت فضائح الفساد فى حكومة أردوجان فى ديسمبر الماضى وبدأت تسريبات صوتية عبر اليوتيوب تؤكد هذه الفضائح بل وتجعل من أردوجان شريكا فيها هو ابنه، وهنا بدأ الاتهامات تلاحق جماعة جولن ووصل الأمر بالمجلس القومى التركى للتحذير من التعامل معها على أنها جماعة إرهابية يتم وضع أموالها تحت تصرف الدولة وسجن مؤيديها، وعلى الجانب الآخرو كالعادة نفى جولن أى علاقة له بهذه التسريبات أو قضايا الفساد الحكومى، كما أكد أنه لا يعتزم إنشاء حزب سياسى وليس له طموح فى الحكم.... الرجل ينتظر فقط وبصبر سقوط أردوجان .... اللاعب المغرور الذى سيتم استبداله بأى استبن يصلح للقيام بدور عجلة فى مركبة الفضاء الأمريكية الغربية المتحدة، ودمتم للأسلام ذخرا ما دمتم مصرين على عدم استيعاب دروس التاريخ.
مي عزام
EKTEBLY@HOTMAIL.COM