الطريق أمام أى رئيس قادم لن يكون إلا عبر الملايين التى تنتظر بريق الأمل فى القرى والنجوع والمدن، لكنه طريق وعر سيصطدم فيه بعثرات من إرث قديم ضاعت فيه قيم العمل والمسؤولية والالتزام، وتراكمت خلاله ثقافة الفساد والرشوة والمحسوبية، وتضاربت فيه السياسات الاقتصادية بين الرأسمالية والاشتراكية لتودى بنا جميعاً إلى ما نحن فيه الآن، فهل هو مستعد؟ وهل نحن مستعدون؟
والحقيقة أن تمهيد الطريق يحتاج إلى طرفين: إلى رئيس يملك رؤية وأدوات وشعبية وحسم، وإلى شعب مستعد أن يتحمل الدواء المر. وأختلف مع من يسأل: وما الثمن الذى يتحمل الشعب من أجله ذلك الدواء؟ والحقيقة أن لا ثمن عاجلاً. فنحن لا نملك خيارات كثيرة سوى تحمل هذا الدواء والعمل على التعافى كى يظهر بريق الأمل فى نهاية النفق.
ولا يعنى ذلك أن الفقراء يجب أن يصبحوا أكثر فقراً، أو أن المرضى يجب أن يموتوا بأمراضهم، أو أن المهمشين لا وجه لتحسين أوضاعهم، على العكس فالدولة تستطيع عن طريق بعض القرارات أن تغير توزيع الإنفاق بدلاً من حرقه فى المازوت والبنزين فيكون جزء منه على الصحة والتعليم وتحسين أحوال المهمشين.
الدعم هو أول القرارات وأهمها وأصعبها، ويحتاج إلى توافق وتحمل. والحقيقة أن قضية الدعم خاصة على المحروقات سيتحمل أعباءها الأغنياء قبل الفقراء، لكن جزءاً من آثارها سينعكس بالتأكيد على أسعار السلع والمواصلات والبضائع. فى المقابل يجب على الدولة أن تمهد بأدواتها وسائل لامتصاص التضخم فى الأسعار بتحسين وسائل النقل العامة، وتوفير السلع عن طريق المجمعات الاستهلاكية مثلاً، وهو ما يقدم بديلاً مع تخفيض الدعم.
خطة خفض الدعم على المحروقات يجب ألا تكون مفاجئة، بل على مراحل وسنوات. ويمكن استغلال ما توفره لتمويل دعم نقدى مشروط. فما تقدمه الدولة الآن على هيئة معاشات للضمان الاجتماعى هو دعم نقدى غير مشروط، وما نحتاجه الآن هو دعم نقدى مشروط للأسر الأكثر فقراً لكنه مشروط بالالتزام بقواعد الصحة والتعليم (متابعة الوحدة الصحية، وعدم التسرب من التعليم)، وأظن أنه يجب أن يرتبط كذلك بثلاثة أطفال فى الأسرة الواحدة لا أكثر فى ظل انفجار سكانى لا قبل لنا به.
هذا فى جانب الإنفاق، أما جوانب الدخل.. فالعثرة الأهم أمامها هى القوانين والبيروقراطية المانعة للاستثمار وقواعد التقاضى التى تسمح لأى شخص بتقديم بلاغ ضد الآخر مع طول زمن التقاضى الذى «يطفش» المستثمرين. إعادة النظر فى منظومة قوانين الاستثمار يجب أن تكون من أولى المهام، يصاحبها تحرير قدرة الموظف العام على اتخاذ القرار دون الفزع من أسوار السجن. وذاك لن يحدث إلا بتعديل قانون الموظف العام وحماية سلطته التقديرية طالما لم يفسد أو يساهم فى فساد. الاستثمار الخاص وليس العام هو الطريق الوحيد للتشغيل.
قبل كل تلك الخطوات هناك عثرة المواطن، هل يريد أن يعمل؟ هل يريد أن يبذل مزيداً من الجهد؟ هل يريد أن يجد لبلده مكاناً تحت الشمس؟ هل يريد أن يلتزم بالقانون، أم أنه يظن أن الرئيس القادم تأتى معه أموال الخليج وعصا موسى وحماية الرب؟ دون تغيير ثقافة العمل سنقع جميعاً فى العثرة الكبرى.
الطريق لن يستطيع أى رئيس أن يسلكه وحيداً، فبدون الشعب وبدون إرادة واضحة لهذا الشعب سيبقى الطريق وعراً وبلا نهاية.