نحن فى مصر أحرص الناس على وحدة الصف العربى، وأظن أن صبرنا الذى طال على جرائم حكام قطر درس يضاف إلى تحمُّلنا لمسؤولياتنا العربية ولو فى أقسى الظروف. ورغم كل جرائم حكام قطر فى حق مصر وشعبها فنحن نثق فى مشاعر شعب قطر الشقيق نحونا، ونعرف أنه فى النهاية لن يصح إلا الصحيح، وستعود دولة قطر إلى محيطها الخليجى والعربى، بعد أن تتوقف الجرائم التى يرتكبها حكامها فى حق الشعوب العربية، وبعد أن يتم حسابهم على ذلك!
هذا شىء، وما يعرضه علينا الدكتور سعد الدين إبراهيم شىء آخر. فقد سافر الرجل إلى الدوحة، وعاد ليطوف على القنوات التليفزيونية يزف إلينا بشرى التقائه بالشيخة موزة، زوجة الحاكم السابق ووالدة الحاكم الحالى لقطر، الشيخ تميم، ويبشرنا الدكتور سعد بأنه- بعد هذا اللقاء- قد عرف الحقائق، ووجد الحل!
أما الحقائق.. فهى- كما شرحها فى لقاء مطول على قناة «المحور» مساء أول أمس- أن المشكلة لدينا نحن وليست لدى حكومة قطر البريئة (!!) وأن الموضوع ليس مؤامرة تشارك فيها قطر، كما نفهم على طريق الخطأ (!!) بل هى مشكلة تعانى منها قطر نفسها، حيث تتحمل- يا ولداه- تكلفة ما يفعله الإخوان المصريون الذين ذهبوا إلى «الدوحة» فى غفلة من الزمان، واحتلوا قناة «الجزيرة» دون علم حكام قطر (!!). وهم الذين يخوضون الآن حملة الكراهية على مصر، والتحريض على قتل أبنائها، وهم يفعلون ذلك رغم أنف حكام قطر الغلابة (!!) وبالعند فى الأمريكان الذين يحمون ما يحدث بأكبر قاعدة عسكرية أقامتها واشنطن خارج أراضيها!!
لو كان «محمود كفتة» هو الذى يقول ذلك، لقلنا إنه مجرد «تهجيص» من رجل جاهل.. لكن الدكتور سعد يقول لنا إنه توصل إلى ذلك بعد حديثه مع السيدة موزة باعتبارهما من علماء الاجتماع السياسى (!!) وبالتالى لا بد أن نأخذه مأخذ الجد، خصوصا أن الرجل كان رقيقًا معنا عندما تحدث عن الحل الذى وصل إليه، وهو أنه سيتنازل وسيقود حوارًا بين المفكرين ومنظمات العمل المدنى من مصر وكل أنحاء العالم العربى (وفى مقدمتها قطر بالطبع).. وهو حوار سيكون فيه الشفاء بإذن الله، خصوصا أنه لن يكون لبحث سياسات قطر التخريبية، بل لمحاكمة الثورات العربية التى ورطت قطر- يا ولداه- فى ما هى فيه!
تسأله المذيعة المذهولة مما تسمع عن إصرار حكام قطر على وصف ما حدث فى ٣٠ يونيو بأنه انقلاب، فيقول ومَالُه؟.. أليس هذا موقف أمريكا؟! علمًا بأن الإدارة الأمريكية لم تقل أبدًا إن ثورة يونيو هى انقلاب، رغم عدائها الشديد لما فعله شعب مصر وجيشها بإسقاط حكم الإخوان الفاشى!!
وتسأله المذيعة المذهولة عن القواعد الأمريكية فى قطر، فتكون الإجابة: ومَالُه؟.. هناك فى مصر أيضا قواعد عسكرية لأمريكا!! وعندما يتصل به من يقول له إن هذا كذب صريح، وإن ما تحصل عليه أمريكا فى مصر هو تسهيلات وليست قواعد، تكون الإجابة أنه يسميها قواعد، وهو حر فى ما يفعل!
بعد قليل أدرك الرجل فى ما يبدو أن «الطبخة» ينقصها بعض البهارات، فانتقل يتجول بين لقاء على الهواء مع وائل الإبراشى، إلى اتصال هاتفى مع عمرو أديب، ليزف البشرى الكبيرة التى كان قد أخفاها قبل ذلك، وهى أن السيدة «موزة» أخبرته بأنها تعتبر ما حدث فى ٣٠ يونيو ثورة وليست انقلابا! ولا تتعجب كثيرًا حين يتحول علم الاجتماع السياسى إلى لعبة «التلات ورقات»!!
بعيدًا عن السياسة.. تبدو السيدة «موزة» ابنة عائلة وطنية وعربية محترمة، وعاشت سنوات طويلة للدراسة فى القاهرة، ولكن يبدو أنها فى سعيها للعب دور ثقافى لم يفتح الله عليها لتعرف أن فى العالم العربى مثقفين آخرين غير النوعية التى تسعى إليها. هناك مثقفون آخرون يعرفون معنى احترام النفس، والحقيقة، ويدفعون أعمارهم فداء لقيمة اسمها الولاء للوطن، ولا يقبلون أن يقدموا البضاعة التى نراها فى أحاديث الإفك من القرضاوى، أو فى وصفات الدكتور سعد القادمة من المطبخ الأمريكانى!!