أفضل أن أكون المواطن الإيجابي الذي يقدم الحلول بدلا من أن ينتقد الواقع الأليم.. الذي يبذل عصارة فكره وجهده الذهني في سبيل هدم العقبات التي لا سبيل إلا الشكاية منها والعويل على ما سببت من خراب.
مصر تحتاج إلى ثلاثة تريليونات جنيه كي تقف على قدميها، وهذا مما لا خلاف فيه، وربما كانت في حاجة إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير لإصلاح بنيتها التحتية المنهكة وبناء صناعتها وترميم زراعتها وتمهيد مسارها نحو الإقلاع الاقتصادي نحو نبذ التسول والاقتراض والانطلاق نحو اقتصاد وطني قوي وصاعد.
ويرى المشير أن الوسيلة المثلى لجمع هذه التريليونات – أي آلاف المليارات – هي أن يتبرع أبناء مصر في الخارج بمرتب شهر«من أجل مصر»، وأن يصحو طالب الجامعة مبكرا ليذهب سيرا إلى الجامعة موفرا أجرة الميكروباص «برضه من أجل مصر».
لن أكرر التساؤل الذي طرحه البعض استنكارا عن السبب الذي يدعو وزير الدفاع إلى الحديث في الاقتصاد في دولة فيها حكومة افتراضية ووزارات تخيلية مختصة بالاقتصاد والتجارة والمالية.
ولن أركب مع الراكبين موجة السخرية من محتوى ما قاله المشير في خطاب مرتجل ساقته العواطف الفياضة نحو طروحات اقتصادية لا تختلف كثيرا عن الطروحات الفلسفية التي أطلقها غير المأسوف على حكمه محمد مرسي في نظريته القيمة «القرد والقرداتي».
فالمشير لم يقدم تصورا للنهضة الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق إذا ما توقفت مصر عن الاقتراض من الأشقاء والأعداء وتحولت إلى مد الأيادي إلى الأبناء الذين ضحوا بجنة البطالة في مصر، وحملوا أوزار الجنسية المصرية إلى بلاد لم يكونوا بالغيها ولو بشق الأنفس، وقبعوا في قاع سلالمها الاجتماعية لا فارق يذكر بينهم وبين العبيد.
ورغم ذلك فهم أحد الموارد الرئيسية للعملة الصعبة التي تزداد صعوبتها يوما بعد يوم، وهم أحد المصادر الرئيسية للدخل لملايين داخل مصر ينتظرون التحويلات لتتزوج العانس ويعال العاطل ويعالج المريض ولتقضى بها حوائج عجزت حكوماتنا عن قضائها لولا هؤلاء الكادحون في الخارج. (يبدو أن المصريين في الخارج فكروا في رد الجميل لمصر التي علمتهم وربتهم على عكس ما تصور المشير).
أما عن توفير الطالب الجامعي لأجرة الميكروباص فهو دعوة للمقاطعة لوسيلة من وسائل المواصلات التي يعيش قطاع من هذا الشعب على ريعها. فإذا انقطع الطالب الجامعي عن بذخ وترف ركوب الميكروباص، فسوف ينقطع عن سائق الميكروباص ومالكه جزء من رزقه، وسوف تتحول هذه الدعوة غير المدروسة إلى المقاطعة من محاولة غير مفهومة للتوفير إلى محاولة غير مدروسة لتخريب الأنشطة الاقتصادية التي يتعيش منها المجتمع.
ولا أشكك في سلامة نية هذه المقترحات السياسية إطلاقا، ولكنني أتحفظ بالتأكيد على خيبتها وهزلية جدواها علميا وعمليا. وأقترح بديلا عنها أن يقوم كل صاحب وظيفة بوظيفته بما يرضي الله وبما فرضه عليه حكم القانون في الوظيفة.
أقترح أن تقوم وزارة الداخلية بدورها في التصدي لتجارة السلاح وتجارة المخدرات وتهريب الآثار، وهي تجارات يتجاوز حجمها العشرين مليار دولار سنويا على أقل التقديرات. وهي مبالغ تغطي أجرة الميكروباص لكل طلاب الجامعات من عهد أبينا آدم إلى يوم القيامة.
أقترح أن تقوم وزارة الداخلية بوظيفتها في تنظيم المرور توفيرا لمليارات الدولارات التي تهدر في الوقود المحروق والسيارات المتآكلة والأعمال المعطلة والمواعيد الضائعة وساعات العمل المراقة على أسفلت العاصمة والمدن الكبرى.
أقترح أن توفر وزارة الداخلية الأمن للسياح من المتحرشين ولصوص الموبايلات وبلطجية المناطق السياحية حتى تعود السياحة التي كانت عماد الاقتصاد المصري قبل سنوات قليلة.
كما أقترح أن تتوقف وزارة السياحة عن الترويج لمصر في الخارج لأنني متأكد من مشاهداتي الشخصية في معارض مصر السياحية في الخارج أن الأفكار الترويجية التي يتفتق عنها ذهن هذه الوزارة هو السبب الرئيسي في طرد ملايين السياح!
أقترح أن تقوم جهات العدالة وإنفاذ القانون والجهات الرقابية بوظيفتها في سد مواسير الفساد التي تتسرب منها المليارات في كل قطاعات الدولة، وأقترح استثمار هذه المليارات في تحسين نظام التعليم كي نتفادى ما يزيد على 15 مليار جنيه يدفعها الآباء سنويا في الدروس الخصوصية التي أصبحت نظاما تعليميا بديلا لنظام تعليمي لا وجود له في الوجود.
أقترح أن تطبق الحكومة الحد الأقصى للرواتب على أصحاب الدخول المرتفعة – التي يتقاضونها من أموال الشعب طبعا – وأن تطبق بالمرة الحد الأقصى على الامتيازات التي تتمتع بها فئات بعينها يركب أبناؤها السيارات الفارهة في طريقهم إلى الجامعة بينما يطالب آباؤهم الفقراء بتوفير أجرة الميكروباص.
أقترح أن تصبح مصر دولة قانون وانضباط إداري حتى يحن علينا الاستثمار الأجنبي الذي يطرده الفساد واضطراب الأمن وخبل الإدارة وسوء السياسة والحلول الاقتصادية الفاشلة الشبيهة بفرض الضرائب على العاملين بالخارج.
أقترح أن يلغى الدعم على الطاقة الذي تحصل عليه مصانع بعينها، بينما يحمل الجهد الزائد على شبكة الكهرباء التي يدفع المواطن المطحون ثمنها وتكلفة صيانتها حتى تنقطع عنه الكهرباء في النهاية!! بينما لا يمكن أن تنقطع عن هذه المصانع التي بدورها تبيع للمواطن المطحون إنتاجها بالسعر العالمي ولا كأنه كان شريكا في هذه الصناعة!!
وأخيرا أقترح أن تفرض دراسة الاقتصاد في المدارس الابتدائية حتى لا نضطر إلى كتابة هذه البديهيات ولا إلى الاستماع إلى بيانات وخطابات وتصريحات تخالف أدنى المفهوم والمعقول منها!