وما الجريمة التى ارتكبها هؤلاء حتى ينكل بهم؟ ماذا فعلوا حتى يُحرَموا حريتهم ويُحقق معهم كمجرمين ويتعرضون إلى التنكيل والإهانة والإلقاء فى السجون بالسنتين؟ إن الموت الجماعى اليومى على كل طرق مصر بسبب الإهمال لا يلقى ربع العقوبة التى يلقاها اليوم هؤلاء، القتل الخطأ لا يلقى هكذا عقابًا فماذا فعلوا؟ تظاهروا؟ استعمَلوا حقهم المنصوص عليه فى الدستور؟ هو ذات المنهج المباركى الكريم، ذات المدرسة، وما زلت أتذكر سوءات ترزية قوانينه، الدستور ينص على حق المصريين فى تشكيل الأحزاب، والقانون ينظم هذا الحق بأن يجعله مستحيلًا إلا لمن ترضى عنه الدولة، الترشح للرئاسة مباح فى الدستور ثم ينظم القانون هذا الحق على نحو يجعله مستحيلا إلا للرئيس أو من يرضى عنه الرئيس، والمقولة للدكتور/ مصطفى أبو زيد فهمى.
هم فى السجن رغم أن فعل التظاهر نفسه مباح، ولكنهم خالفوا القانون الذى قال إيه «ينظمه» وما التنظيم الفظيع الخطير الذى يستحق كل هذا البطش والعقاب المغلظ؟ الإخطار؟ إن الإخطار يختلف عن الإذن وطلب الموافقة، الإخطار هو الحق فى تنظيم المظاهرة دون انتظار الموافقة، هو فقط أن يحيط شخص شخصا آخر علمًا دون اشتراط موافقته، ولكن انضحك علينا، أورد الدستور الجديد التظاهر شرط الإخطار، ثم تعامل معه القانون على أنه «إذن» وليس إخطارًا، والسؤال: لماذا الحبسُ سنتان وغرامة خمسون ألف جنيه ضد شبان مارسوا فى النهاية حقا هو فى الأصل مباح؟ ولماذا يكون إجراء تنظيمى لا يعدو أن يكون إجراءً إداريا تكون عقوبته فاحشة إلى هذا الحد؟ ومن يقبل أن ينزل أبناؤنا فى مظاهرة سلمية ويتعرضون إلى كل هذا البطش، لأنهم خالفوا إجراء إداريا يتعلق بممارستهم حقًّا هو فى الأصل مباح، إلا إذا كان المقصود هو الضحك على الذقون على طريقة سمير غانم، «الفرخة بخمسين قرش بس القفص بخمستاشر جنيه !!» وكأن المقصد الحقيقى هو تحريم الحق وليس تنظيمه. ولقد رأيت القارعة تأتى مبكرًا جدًّا، رأيت «عمر حاذق وإسلام ولؤى» وغيرهم فى السجون قبل حتى أن يخطر ذلك على بالهم هم أنفسهم، ارتبت فى النص الدستورى أيام كان لا يزال مسوّدة تقول إن التظاهر حق «ينظمه القانون»!! فكتبت مقالا بتاريخ 8/10/2013 فى جريدة «التحرير» عنوانه التظاهر شرط الإخطار هل تمزحون؟ كتبت محذرًا من عبارة «حق ينظمه القانون» وطلبت أن ينص فى الدستور على الحق فى التظاهر شرط «الإعلان» لا «الإخطار» على أن لا يُشترط للإعلان شكل معين، ومع اعتبار الإعلان فى وسائل التواصل الاجتماعى إعلانًا منتجًا لأثره، وأنه لا حاجة بعد ذلك «إلى تنظيم التظاهر بقانون» اكتفاء بالعقوبات المقررة فى قانون العقوبات لكل الجرائم التى قد تقع فى أثناء التظاهر، وكلها يجرمها القانون، ولكن ما من مجيب. وللمرة الثانية وفى 26/11/2013 كتبت مقالا ثانيا بعنوان «نَعم ونَعمين لقانون حقير» أرد فيه على كل المتشدقين بضرورة إصدار القانون نظرًا إلى ظروف الإرهاب!! قلت فيه إن الإرهاب أمر، وتنظيم التظاهر أمر مختلف تماما، وإننا إذا بررنا هذا بذاك فكأننا نحارب سوء أحوال الملوخية عن طريق تحريم البامية! وأن هذا يعكس سوء نية، ولا مجيب. ثم كتبت ردًّا على كلام الحكومة فى 1/12/2013 مقالا بعنوان خطاب مفتوح للحكام حول مقارنة قانون التظاهر بتشريعات أوروبا، قلت فيه ردًّا على الببلاوى إن المقارنة بالقانون السويسرى تثير الرغبة فى التقيُّوء، فلكى تعامل المصرى الغلبان بقوانين سويسرا يجب أن يعيش المصرى أولا كما يعيش السويسرى، ولكنها الحكومة التى تعطى نفسها ترف حكومات سويسرا ثم تترك المواطن المصرى الغلبان فى الطين، ومع ذلك تعود وتتباكى، الحالة صعبة، مش قادرين، ليس فى الإمكان أبدع مما كان .. إلخ!!
الإرهاب؟ لقد كرهت هذه الكلمة التى لم تجد حتى اليوم تعريفًا قانونيا منضبطا لتصبح الحجة الجاهزة يلقيها فى وجوهنا كل من يريد قمع البشر وسحقهم والتنكيل بهم بحجة الاستقرار. الاستقرار؟ وهل نجح قانون التظاهر فى منع تفجير مديرية أمن الدقهلية؟ هل نجح فى منع تفجير مديرية أمن القاهرة؟ وللأسف إن الأخيرة تم تفجيرها والشارع ليس فيه ولا متظاهر واحد ولا حتى صرّيخ ابن يومين!! هو فقط نظرية الخلط بين الملوخية والبامية، وهذا خلط غير برىء لا يغذى إلا الريبة والشك وعدم الاطمئنان التقليدى ما بين المصرى وحكومته على مر التاريخ ليبدو تعبير «الحكومة» باستمرار هو انعكاسا لوصف الساحرة الشريرة التى تتفنن حكوماتنا المتعاقبة، ولو بعد ثورة، ولو بعد ثورتين، فى الظهور بمظهرها ولو على غير الحقيقة. والنهاية فهذه ليست سوى صرخة، صرخة ألقى بها إلى صدور أصحاب الضمائر، صرخة فى ضمير كل من له ضمير، جائز جدًّا أن نحبس هؤلاء الشباب بالسنين من أجل إخطار، ولكننا بهذا لا ندين إلا أنفسنا.