تحدثنا أمس عن عناصر عملية الإسكان فى مصر، وأنا أعتبرها قضية أمن قومى، وحاولنا تفكيك عناصرها التى يجب أن تتدخل الدولة لحلها بشكل جاد وحقيقى، ولا تكون عاملًا مساعدًا فى رفع الأسعار كما ذكرنا، والدولة تقف متفرجة.
نأتى لقضية الأيدى العاملة. من المؤكد أن الأيدى العاملة قد ارتفع سعرها فى الآونة الحالية بشكل كبير، مع معدلات التضخم، بعضها مبرَّر، والبعض الآخر غير مبرَّر، فارتفاع سعر العمالة غير المدربة التى تعمل بنقل الرمل والطوب وخلافه إلى يومية 50 أو 70 جنيها، ربما أراه مبررًا لمشقة الأعمال التى يقومون بها، أما أن يكسب صنايعى محترف ألف وألفين من الجنيهات فى اليوم، ليرتفع أجره على أساتذة الجامعات ودكاترة محترفين فى تخصصاتهم، فهذا غير مبرر.
المطلوب من الدولة أن تتدخل وتدرِّب من الشباب العاطل بشكل محترف على الأعمال التى بها عجز، وأن تكون هناك رخصة لمزاولة المهنة، ويسجل بها مستوى كفاءته درجة تانية أو درجة أولى، مثل السواقة، ربما فى القرى لا يحتاجون إلى مثل تلك الرخص، لأنهم يعرف بعضهم بعضا جيدًا، وإن كان ضرورى لدخول آخرين لعالم الصنايعية المحترفين، وفى المدن حتى لا يقع مواطن تحت طائلة النصب، ليتعامل مع صنايعى غير محترف، يفسد له أكثر مما يصلح، مع العلم أن المدارس الفنية فاشلة بدرجة كبيرة. وحتى يتم إصلاح التعليم الفنى فى مصر يجب أن تكون هناك جهة معتمدة للتدريب والاعتماد فى نفس الوقت وتكون هناك بورصة لهذه الأعمال تحدد أسعارا معقولة مُرضية لطرفَى التعاقد تحت رعاية الدولة، ولا مانع من أن تكون لهم نقابة، حتى نستطيع أن نشكو المخطئ، وتتم سحب رخصة مزاولته المهنة إن ثبت خطؤه.
نأتى لقضية أخرى وهى قضية الشباب، فقد عمدت الدولة إلى عملية إسكان الشباب فى العقود السابقة، وأستطيع أن أقول وضميرى مطمئن، إن النسبة الكبرى شابها العوار والفساد بشكل أو بآخر، بسبب بسيط أن الوحدات تكون ألف وحدة والمتقدمون يكونون 20 ألف شاب، حتى ولو كانوا كلهم فى حاجة حقيقية إلى تلك الوحدات، ولكن المفاضلة كان يشوبها نسبة كبيرة من الفساد والوساطة. وحتى نحسم تلك القضية يجب أن يتقدم الشباب لوزارة الإسكان بطلب السكن، وتكون الدولة ملتزمة بتسكينهم جميعًا ولو على فترات معلنة، بمعنى أن يتقدم الشاب بأوراقه وتتعهد الدولة بتسليمه وحدته فى عام 2017 أو حتى 2020، وبناء على معايير واضحة ومحددة فى الأولوية وبالنقاط، سواء السن عليه عامل، أو عقد القران وكتب الكتاب، المهم أن تكون هناك معايير واضحة لا يشوبها أى فساد، لتحقيق أحقية الشاب فى هذا العام أو فى العام التالى، مع العلم أن الشاب لا يأخذها مجانًا، ولكنّ هناك دعما من الدولة معلوما يصل إلى 15 ألف جنيه، وهناك قسط تعاونى بفوائد بسيطة 6%، وقد وعد إبراهيم محلب برفع القسط التعاونى إلى 50 ألفا، وبعد ذلك أقساط بالأرباح البنكية العادية، يقسطها الشاب على الفترة التى يراها مناسبة بالنسبة إليه.
المشكلات معقدة ومركبة، فعندما تحل مشكلة البطالة للشباب، فإنك فى حاجة إلى أن تحل له مشكلة الحد الأدنى للأجور، كى يأخذ أجرًا مناسبًا، وبعد أن تتم مشكلة هيكلة الأجور، وضمان تأديتها للحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، فأنت تحتاج إلى أن توفر له السكن المناسب الملائم بالسعر المناسب والتقسيط المناسب. سامع واحد بيقول «إيه الشعب المدَّلع ده اللى عايز الدولة تحل له كل مشاكله»، أزيده من الشعر بيتًا وأقول له، شعبك بعد 25 يناير وبعد 30 يونيو، أصبح مدلعًا، ومتمردًا ومشاكسًا وغاضبًا، وأحيانا، بيكون قليل الأدب لو احتاج الأمر إلى ذلك، وهذا ما تشهد به بوستات وتعليقات «فيسبوك» اليومية، وتويتات «تويتر»، وحتى رواج برنامج المذيع الساخر باسم يوسف، بما يحتويه من عبارات الاعتراض الشعبية، واللى عايز يحكم الشعب على وضعه الجديد، يتفضل يشيل، واللى فاكر إنه ممكن يرجعه لثكناته مرة أخرى، خانعًا، كسيرًا، ذليلًا، بينضرب على قفاه ويسكت مرة أخرى، فهو واهم، وأتمنى أن يكون قد تعلم من رأسَى الذئبين الطائرين.