نصت المادة السابعة من قانون الانتخابات الرئاسية على «تكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة. كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء». يعنى هذا النص ببساطة تحصين قرارات اللجنة وتحريم الطعن عليها، الأمر الذى يمثل امتدادا لفلسفة التحصين التى تذكرنا بإعلان مرسى الدستورى المكمل، الذى حصن فيه ذاته وقراراته، وكان بمثابة بداية حركة الاحتجاج التى قادت إلى الإطاحة به فى النهاية. السؤال هنا لماذا تقرر تحصين قرارات اللجنة، وهى فى المحصلة النهائية لجنة إدارية؟ ومن له مصلحة فى هذا التحصين؟
فى تقديرى أن هناك خللا شديدا فى الأداء قاد إلى تبنى منطق التحصين، ومن ثم أدى إلى إرباك المشهد بالكامل، وقدم مبررات لبعض من ينوون الترشح كى يهددوا بعدم خوض السباق الانتخابى، وهناك من سارع إلى القول بأن هدف التحصين هو تزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحة مرشح معين. وبدأ سيل من التصريحات على لسان المتحدثين باسم من ينوون الترشح فى الانتخابات الرئاسية، تشرح الدوافع الكامنة وراء قرار تحصين اللجنة العليا للانتخابات، والتفسير المشترك هو النية فى تزوير الانتخابات.
فى السجال حول التطور الديمقراطى والانتخابات تبدو فلسفة التحصين ضعيفة ومتهافتة، فضعيفة هى حجج مؤيدى تحصين قرارات لجنة الانتخابات، فهى لجنة إدارية، والانتخابات عملية قد تشوبها تجاوزات وتحدث خلالها انتهاكات، ومن ثم فالطعن على قراراتها أمر منطقى وطبيعى، ولا بد أن يمنح للمرشحين الذين يخسرون. الهدف هنا ليس التعطيل بقدر ما هو التحقيق فى ما يمكن أن يذكر عن انتهاكات وتجاوزات، وما يزعم من تزوير لمصلحة مرشح ما. وإذا كانت تجارب الدول والشعوب هى مصدر الإلهام فى صياغة القوانين وتعديل القائم منها، فإن خبرة المصريين مع فكرة التحصين سلبية بالكامل، فمن مصطلح «سيد قراره» الذى كان يعنى تحصين مجلس الشعب فى مواجهة الأحكام القضائية، إلى تحصين لجان الانتخابات الرئاسية، كان المردود سلبيا للغاية، فالتحصين كان مقدمة للتزوير والتزييف وتمرير نتائج محل جدل شديد، وتكشف خبرة الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة التى جرت عام ٢٠١٢ عن عشرات الانتهاكات والتجاوزات لمصلحة مرشح الجماعة محمد مرسى، الذى أعلن فوزه بالانتخابات، وخلال سنة حكمه تكشفت حقائق بينت جسامة المخالفات التى كانت كفيلة بإبطال نتائج الانتخابات.
اليوم ومن أجل دعم عملية التطور الديمقراطى فى البلاد وإرساء أسس ديمقراطية حقيقية، لا بد من إسقاط المادة السابعة من قانون الانتخابات الرئاسية والخاصة بتحصين اللجنة وقراراتها. وفى تقديرى أن التحصين بات سيئ السمعة، ولا أحد يريد التحصين، وإصرار اللجنة على تحصين ذاتها وقراراتها سيضر بمسيرة التطور الديمقراطى فى البلاد من ناحية، وسوف يعطى لمن يريد التشكيك فى سلامة إجراءات انتخابات الرئيس القادم مبررات ذلك. وفى تقديرى أن الإصرار على التحصين يمثل إساءة بالغة للرئيس القادم أيا كان، ومواصلة الإصرار على التحصين تفتح المجال للتساؤل حول وجود شخصيات تريد عرقلة المرحلة الانتقالية وإثارة المشكلات والشكوك حولها دون أى داع.
لكل ذلك نناشد الرئيس عدلى منصور استخدام صلاحياته فى حذف هذه المادة المثيرة للجدل، قبل توقيع القانون ونشره بالجريدة الرسمية.