من يتابع علاقات دول الخليج الست التى يضمها مجلس التعاون الخليجى الذى بدأ فى عام 1981، يعرف إلى أى مدى حرص هذه الدول على تماسكها، وإنهاء ما قد يقوم بينها من خلافات فى إطار الأسرة التى لا يبين لها سر. ولهذا كان واضحاً أن إعلان السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من قطر يعكس مؤشراً جدياً على وصول الأزمة بين دول الخليج الخمس من ناحية وقطر من ناحية أخرى إلى مدى بالغ الحدة ونفاد صبر هذه الدول.
وأقول دول الخليج الخمس، رغم أن الكويت وعمان لم تشتركا فى قرار سحب السفراء، إلا أن ذلك كان مقصوداً، رغم تبنى الدولتين نفس الموقف، ولكن رئى إعطاء الفرصة لهما للقيام بدور الوساطة التى قد تنجح فى إنهاء أسباب الخلاف، وإن كان ذلك لن يكون سهلاً، لاعتقادى أن هناك من القوى العالمية التى تريد استغلال الفرصة لتهديد الوحدة العربية الوحيدة المستقرة فى العالم العربى منذ 33 سنة، والتى وصلت إلى تنقل مواطنيها بين الدول الست دون جوازات سفر، وكانت على وشك استخدام عملة واحدة.
ما هى الأزمة؟ من خلال بيان الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) فقد اتخذ القرار بعد فشل الجهود فى إقناع قطر بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون. وتبدو هذه التدخلات فى:
1- استقبال قطر الأشخاص الذين يهاجمون السعودية والإمارات، وعلى رأس هؤلاء د. يوسف القرضاوى «الأب الروحى لإخوان العالم». 2- تقديم قطر دعماً مالياً ولوجستياً لقبائل الحوثيين الذين يثيرون المتاعب للسعودية على حدودها مع اليمن. 3- استقطاب قطر رموز الإخوان فى السعودية، وهؤلاء صنفتهم المملكة بأنهم جماعة إرهابية محظورة كما حدث فى مصر. 4- قيام المال القطرى ببذر بذور الشقاق فى الدول العربية بدعم الإخوان فى مصر، وجبهة «النصرة» السلفية الجهادية فى سوريا. 5- دعم قطر الإعلام المعادى للسعودية والإمارات وتحويل «قناة الجزيرة» بالذات إلى منبر يهاجم دول المجلس، خاصة بالنسبة لموقفها المعلن من دعم مصر، بعد تخلص مصر من حكم الإخوان.
وقد جاءت تعليقات قطر وصحفها تؤكد أن مصر هى الغائب الحاضر فى الأزمة المثارة، وأن الملف المصرى هو أساس الأزمة. ففى تعليق لمراسل الجزيرة فى الرياض أن الخلاف يتركز على ما يبدو حول الملف المصرى على وجه التحديد، وإن كان بيان الدول الثلاث كما ذكر مراسل الجزيرة لم يتطرق إلى ذلك بشكل واضح.
والمعروف عن صحف قطر أنه ليست هناك صحيفة واحدة تملك شجاعة أو حرية إبداء رأى لم تتلق نصاً معناه، بل وكلماته من المصادر الحاكمة. وبناء على ذلك قالت صحيفة «الشرق» بوضوح: «إن الخلاف الحقيقى بين دول المجلس وقطر يتركز على الموقف من مصر التى لم تستطع كل من الإمارات والسعودية الخروج من المأزق الذى دخلتا فيه، رغم تقديم المليارات التى قدمتها لنظام الحكم المصرى الذى لم يستقر، بسبب رفض شرائح واسعة من الشعب المصرى الانقلاب».
وهكذا دون أى مواراة يتكشف إلى أى مدى بلغ عداء قطر لمصر إلى الدرجة التى لم تعد تخفى سياستها المعادية هذه لمصر. لكن فى المقابل فقد أصبحت مصر واستقرارها وأمنها ضلعاً رئيسياً فى سياسة دول الخليج باستثناء قطر المصرة على العمل ضد استقرار مصر، ودعم كل ما يثير المتاعب لمصر. وبالتالى لم يعد الصراع بين دول الخليج وقطر، وإنما أيضا مع من يشجعون قطر على سياستها المعادية لمصر.
ورغم أن الكويت بدأت محاولات الوساطة، أملاً فى أن تستقبل مؤتمر القمة العربى الذى يعقد على أرضها، يومى 25 و26 مارس، وليس هناك شرخ كبير على الأقل بين دول مجلس التعاون الخليجى، إلا أن احتمالات رأب الصدع مازالت متوقفة على تغيير قطر كثيراً من مواقفها التى تتصور أنها تستطيع أن تكون بها دولة عظمى مساحتها 11 ألف كيلومتر مربع، وسكانها أقل من مليونين بمن فيهم الوافدون.