فاز الفيلم الذى يحمل هذا الاسم بجائزة الأوسكار للعام الحالى. يستحق. عمل بديع. ملحمى. أغلب الأفلام والأعمال الأمريكية التى تناولت العبودية كانت ملحمية. ربما لأن هذه المأساة الإنسانية فى تاريخ أقوى دولة فى العالم ليست سوى ملحمة. تعذّب أجيال من البشر بسبب لون بشرتهم. تم استعبادهم من الإنسان الأبيض. استغله. بنى فوق دمائهم حضارته. لم يترك لهم حريتهم إلا بعد نضال وحروب. حتى الآن لم يشف الجسد الحضارى الأمريكى من هذا المرض. يشعر بعقدة ذنب دون أن يعلنها.
المصريون لا يعرفون عن العبودية فى الولايات المتحدة إلا ما لقنه لهم المسلسل الشهير. الجذور. وبطله الأشهر باسم كونتا كنتى. الملحمة البشرية التى تمثلها العبودية أبعد من هذا. فيلم ١٢ عاما من العبودية يضع يده على نوع آخر من الاستعباد غير المباشر. مواطنون سود كانوا يتحررون. يكون لديهم صك بأنهم مواطنون أحرار. يختطفهم تجار عبيد. يحولونهم مجدداً إلى عبيد. بعد أن يمزقوا أوراقهم. تمضى السنوات قبل اكتشاف الحقيقة. ربما يموت المئات. يتعذب الألوف. تتطور المآسى. قبل أن تتغير حياة أحرار تحولوا عبيداً فى لحظة.
فيلم «١٢ عاما من العبودية» مأخوذ من قصة حقيقية. فيه تسجيل لمؤسسة الاستعباد الأمريكية وتقاليدها وقيمها. الأساطير التى تأسست عليها. الأنثروبولجى الذى نشأ نتيجة وجود الاستعباد. العلاقات بين العبيد. العلاقات بين العبيد والأسياد. تجار البشر. النخاسون. المؤسسة الاقتصادية التى نشأت نتيجة استعباد البشر. الرأسمالية الأمريكية مدينة أخلاقياً لكل هؤلاء الناس الذين احتكرت جهودهم سنوات. تراكم لم يكن ليحدث لولا العبودية. قد يكون الفيلم إحدى محاولات التكفير عن ذنب لا غفران له!
يدور الفيلم حول أسود حر موهوب تم اختطافه. من خلال عملية استعباده مجدداً نتعرف على عالم حقير. المزارعون ملاك الأراضى. الوسطاء البيض الذين يديرون العبيد لصالح الرأسمالية. القناعات الثقافية التى تمنع حتى الرقيقين من أن ينقلبوا على مؤسسة الاستعباد. مشاعرهم الإنسانية لا تصمد أمام ضغوط عنيفة للأرستقراطية اللا أخلاقية. فى لحاء الفيلم نتعرف على قصة يمينى متطرف تأكل دودة القطن محصوله. يعتقد أن هذا غضب من الرب. ليس لأنه استعبد البشر وإنما لأنه لديه أخطاء أخرى. لم يفكر لوهلة فى أنه يخطئ فى حق البشرية. ينسى كل ذلك حين يتعلم كيف يقضى على دودة القطن.
مأساة الفيلم الحقيقية هى «باتسة». عبدة سوداء يعشقها صاحب المزرعة الأبيض. تقبل الرضوخ لرغباته لكى تواصل حياتها مع قدر أقل من العناء. تحدث مواجهة بينها وبين سيدة المنزل البيضاء. دراما ملحمية أخرى تأخذ شغاف القلب. عالم عقد. لا حدود لمشكلاته. لا سقف لانحطاطه الأخلاقى. بعض من هذا لم يزل يؤثر فى ثقافة الولايات المتحدة. واشنطن أحياناً تبدو مثل رجل يعشق دولة سوداء. يستعبدها. يرضخها لرغباته. فى نهاية الأمر يجلدها بلا أى رحمة لأنها عارضت رغباته. أو لأنه تصور أنها تخونه. واشنطن هى قصة جذورها العبودية!!