أنهيتُ مقال أول من أمس بفقرة أشرت فيها إلى حقيقة أننا الآن فى قلب نار حرب ضروس مزدوجة نخوضها على جبهتين اثنتين فى وقت واحد، أولاهما الجبهة التى نجاهد فيها لكى نصدّ ونهزم هجمة الإرهاب والتخريب والإجرام الشرسة وغير المسبوقة، والثانية جبهة إعادة بناء الوطن الجديد الذى نحلم برؤيته عزيزا متقدما ينعم أهله بالحرية والعدالة والمساواة.. وقلت: إن هاتين الحربين ليس لنا فيهما خيار غير النصر المبين الذى أهم ضروراته وألزم شروطه أن نحافظ على وحدتنا الوطنية ونعض عليها بالنواجذ، ونجاهد أنفسنا لكى نبقيها صلدة متينة تستعصى على أى شَقٍّ أو شِقاق.
لكننى ختمت بأن هذه الضرورة وذلك الشرط لا يبدو للأسف الشديد أنّ توافرهما سيكون مضمونا تماما فى ظل خارطة ترشيحات الانتخابات الرئاسية المتوقعة حتى الساعة، والتى أقوى وأبرز ملامحها أن أهم وألمع رموز السبيكة الوطنية الثمينة التى صنعت معجزة 30 يونيو (المشير عبد الفتاح السيسى، والأستاذ حمدين صباحى) سوف يتنافسان فى هذه الانتخابات.. وفى آخر كلمات المقال سألت عن الأخطار ودواعى القلق من هذه المنافسة.
واليوم أبدأ الإجابة بأننى أثق ثقة مطلقة بأن المشير وحمدين كلاهما يملك من الوعى والرشد والحكمة، فضلا عن رقىّ السلوك وعفة اللسان، ما يجعلهما يحافظان على نقاء ونظافة المنافسة من أى شوائب أو خروقات تهبط بها إلى مستنقع الصراع والشجار الذى من شأنه تجريح وإلحاق الأذى بأواصر ووشائج وجسور يرقى حفظها ورعايتها إلى مستوى الواجب الوطنى.
غير أننى بصراحة لا أثق الثقة نفسها ببعض (وليس كل) من عيّنوا أنفسهم مناصرين ومشجعين للمشير أو لحمدين، ولعل الإشارات والتباشير غير المريحة التى بدأنا بالفعل نسمعها ونراها الآن توفر الدليل على أن للخوف والقلق دواعى وأسبابا قوية جدا، فهؤلاء «البعض» فى الفريقين لم يضيعوا وقتا فى إثبات حقيقة أنهم يتوفرون على خليط خطر من الخفة والغفلة والتهور والحماقة، بل وسوء النية كذلك، بحيث يصعب إقناعهم بأن استحقاق الانتخابات الرئاسية ليس نهاية المطاف وإنما هو بداية رحلة شاقة ومضنية وطويلة، ومن العسير إلزامهم بتجنب نواهى ومحاذير ومزالق خطرة واحترام ضرورات الوحدة الوطنية التى هى سلاحنا الأمضى والأهم لتحقيق النصر فى الحرب المزدوجة التى نخوضها، وإبعاد شبح الإخفاق والتورط فى هزيمة ثقيلة لا نطيقها ولن نحتمل آثارها الرهيبة على حاضرنا ومستقبلنا.
ولكى أكون صريحا وأمينا إلى أبعد مدى، فإن أغلب قلقى يأتى من هذا القطيع الانتهازى الشرير العابر للعصور والمستعد للهبر والأكل على كل الموائد والقفز بسرعة الصاروخ على أى كتف يبدو عاليا.. ولأن المشير السيسى هو المتمتع حاليا بتأييد القوة الشعبية الأكبر وفرص صعوده إلى سدة رئاسة البلاد لا تكاد طبقا للمعطيات الراهنة يعترضها أى شك، فإن أعضاء هذا القطيع اندفعوا كغيلان متوحشة إلى حيث تمترسوا وتخندقوا بالعافية تحت عباءة الرجل، ومن هذا الخندق راحوا يبثون فواحشهم ويقترفون سفالات وجرائم يندى لها الجبين، ليس أبشعها تنظيم وتنفيذ حملات تعريض وتشهير بذيئة وواطية طالت الكثير من خلق الله بمن فيهم شرفاء أنقياء أنحازوا إلى «خيار المشير» اقتناعا بأنه الخيار الأفضل والأنسب للوطن فى هذه المرحلة الصعبة المعقدة.
إن أخشى ما أخشاه أن ينجح هؤلاء الأشرار فى استفزاز واستثارة بعض بؤر الحماقة التى لا يخلو منها الصف المناصر لحمدين صباحى، فتقع الواقعة المؤذية رغمًا عن الرجلين، و.. ربنا يستر ويحفظنا.