كان الرجل يجرى فى شارع قصر العينى بعد منتصف الليل وهو يصرخ «مافيش.. منين؟ مافيش.. منين؟»، كان منظره يثير الشفقة فحبستُ فى عينى دمعة مثل التى كتب عنها أحد الزملاء فى مقال عن لقاء مع سيادة المشير حيث حبس المشير واحدة فى أثناء الحوار فجعلها الزميل مانشيتا فاعتبرناها جميعا نزلت خلاص.
فى الوقت الذى أبدى فيه المشير انزعاجه من فكرة أن يعطى ظهره للإرادة الشعبية، جلس أكثر من ساعة يخطب فى الأطباء وهو «مدّيهم ظهره». لا يمكن إنكار دماثة المشير وهو يخاطب شباب الأطباء بـ«حضرتك، وحضرِتِك»، وهى لغة خطاب نادرة بالفعل وأبويّة، ولكن أفهم أن أبويا يطلب منى أن أذهب إلى الجامعة سيرًا على الأقدام لأوفر من مصروفى لكن ما الفائدة التى ستعود على الدولة عندما أذهب للجامعة «مشى» كما يطلب السيد المشير؟، هل هو طلبٌ مفرِط فى الرمزية والتجريد؟، استعارة مكنية تعبّر عن التدريب على الكفاح والاستعداد لمرحلة «تدّى وماتاخدش حاجة دلوقتى»؟. لا يعرف المشير أن «الكوتشى اللى باش من المشى فى شوارعك» كان مفتاح ثورة قامت من فرط الحب والاستعداد الصادق لـ«تدى وماتاخدش حاجة خالص لأن البعض ادّى روحه كاملة». المشى كان مفتاح الثورة، وهى الثورة التى نقضت القاعدة الشهيرة بأن ترتَّب عليها أن «فِضِل الماشى ماشى وفِضِل الراكب راكب»، والمصريون فى الداخل قدموا قبل المصريين فى الخارج ما هو أكثر من مرتب شهر لكننا جميعا لا نعرف مصير ما تم تقديمه ما عدا خيرى رمضان ومحمد حسان. والإصلاح لو هيعتمد على الناس يبقى سيادة المشير محتاج يعمل الندوة الجاية فى مقر موقع «كايرو زووم» أو فى تراس «ماريوت» القطامية، هذا إذا افترضنا أن صلاح الدولة سيصح بهذه الطريقة، وهذا ليس تسخينا على الأثرياء، ولكن اسمع صوت الأثرياء أنفسهم، إذ قال رجل الأعمال حسن هيكل ابن الأستاذ هيكل على «تويتر» إن البلد فيه ٥٠ مليونا عند حد الفقر + ٥٠ شخصا ثروتهم ٥٠ مليار دولار، فمَن الجدير بفكرة أنْ يذهب إلى الجامعة سيرًا على الأقدام؟
مش هينفع يمر العمر ونحن بين قوسين: قوس التصريحات الرسمية الضعيفة، وقوس السخرية منها، وإن كنت ترى هذا المقال عشوائيا فهذا هو حال البلد عموما. إنتو إيه حمايتكم واحد يقول لنا اقعدوا فى البيت بالفانلات وواحد يقول لنا المشى؟، إذا كان المشير لا يرغب فى المنصب لكنه مضطر إلى ذلك ويرى أن كل من حوله فى البلد يقولون إن عدم ترشحه سيكون ضارًّا بمصر هذه الأيام، وإنه اتزنق فى هذا الوضع، فعليه أن لا يعاقب الناس على زنقته هذه، ولا مانع لدى أحد أن يدّى مصر بشرط أن تمنعوا عن الناس أذى اللى بيدوهم جامد طول الوقت من أول باشا متعجرف لموظف مرتشٍ لعامل كسول لبزنس فاسد، باقول لسيادتك الراجل ماشى فى الشارع يقول «مافيش.. منين؟» وحضرتك بتقول للناس قبل ما تفطر اسأل نفسك: ادّيت ولا ما ادّيتش؟، طب بالنسبة للناس اللى مش لاقية تفطر أصلا؟