كنت فى ألمانيا الأسبوع الماضى إذ التقيت ذات صباح بأحد الأصدقاء العرب، الذى أخبرنى أنه قد سهر طويلا أمس، وعلى غير عادته أمام حفل توزيع جوائز الأوسكار. ولم يكن صديقى العربى وحده هو الذى سهر أمام شاشة التليفزيون لمتابعة جوائز الأوسكار، بل إن الألمان أيضا كان معظمهم قد حرص على مشاهدة الحفل رغم ما يعرف عنهم من التزام بمواعيد النوم المبكرة
. ودخلت على «فيسبوك» فلم أجد حديثا إلا عن الأوسكار وجوائزه ونجومه ونجماته وفساتينه. وكعادتى لم أكن منتبهة إلى حلول موعد توزيع جوائز الأوسكار الأمريكى. إذ إن الأوسكار جائزة موجهة فقط للفيلم الأمريكى، كما أنها جزء من صناعة السينما الأمريكية التى باتت وما زالت تستفزنى، ورغم أننى بالطبع لا أملك سوى الاعتراف بنجاح تلك الصناعة من حيث الأهداف، فإننى لا أتفق وتلك الأهداف. بل أرى أن النجاح الذى يحققه الفيلم الأمريكى على مستوى العالم ككل يمثل أكبر العوائق أمام تطور اللغة السينمائية.
ويعود ذلك إلى الانتشار الواسع للفيلم الأمريكى ومنافسته للأفلام المحلية فى بلادها، مما جعله مع مرور الزمن «الفيلم المثال»، أى أن العقل الجمعى للمجتمعات بات يربط ما بين الانتشار الواسع للفيلم وبين كونه النموذج الأمثل
. وأصبح كثيرون من الشباب الذين يرغبون فى العمل بالسينما يضعون الفيلم الأمريكى مثالا أمام أعينهم، يتطلعون إلى الوصول إليه، مهتدين بالقيم التى وضعتها السينما الأمريكية: اعتماد عنصر الإبهار أو التشويق والمفاجأة وغيرها من وسائل الجذب، وتقسيم الأفلام إلى أكشن ودراما وتشويق وخيال علمى وتاريخى... إلخ، وهو أيضا تقسيم صنعه الأمريكان واعتمده الجميع من بعدهم. وفى الحقيقة أن تلك القيم وغيرها لا تستهدف سوى تحقيق أكبر أرباح حتى ولو أدت إلى تنميط الأفلام وتكرارها على طريقة خطوط إنتاج المصانع.
ولكن للأسف أصبحت الباترونات الأمريكية اليوم من فرط شعبيتها هى العائق الأكبر أمام تطور اللغة السينمائية. وتلك مشكلة لا تخص بلدا بعينه، بل هى ظاهرة عالمية، رغم أن كثيرا من البلدان التى تمتلك حكوماتها الوعى والرؤية الثقافية تحارب انتشار الفيلم الأمريكى فى بلادها، حفاظا على هويتها وصناعة السينما لديها.
وأنا فى الحقيقة لا أدعو إلى ذلك بقدر ما أدعو إلى فتح الباب إلى سينمات أخرى مختلفة، أدعو إلى وضع خطة تدعمها الدولة من شأنها وضع آليات وتقديم تسهيلات لجلب أفلام عربية وعالمية وتوزيعها بدور العرض السينمائى من أجل الانفتاح على العالم الخارجى بصورة أكبر، والتعرف على ثقافات وهويات الشعوب الأخرى، وللتحرر من الحصار الثقافى الأمريكى الذى تلعب السينما فيه دورا بالغ الأهمية، مما سينعكس حتما على تطور اللغة السينمائية والفن السينمائى.