يحمل اليوم العالمى للمرأة فى مصر من الهموم، أكثر ممَّا يحمل من بهجة.. ويعمّ هذا الإحساس الرجالَ المحترمين والنساء، صحيح أن المرأة أثبتت وعيًا يُشار إليه بالبنان منذ 25 يناير حتى الآن، وكان دورها فاعلًا ولافتًا فى كل فاعليات هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن، وارتقت سريعًا فى أنشطة المجتمع المدنى ومؤسساته المختلفة، وأثبتت حضورًا مباغتًا، لكنه دائم ومستمرّ، فمن أين إذن تأتى الهموم، بعد أن انتزعت المرأة المصرية دورًا ملموسًا فى الواقع السياسى والاجتماعى بالجهد والعرق والمواقف الشجاعة والمخلصة والمسؤولة؟!
تأتى هذه الهموم من المجتمع، الذى ما زالت نسبة كبيرة منه تنظر إلى المرأة بدونية.. من مجتمع ما زال ذكوريًّا مُشبَعًا بأفكار رجعية وانحطاط أخلاقى فى مواقفه تجاه المرأة، التى نفضت ببسالة واقتدار عن كاهلها غبارًا تَراكَم من أزمنة سحيقة عصفت بحقوقها ودورها ومكانتها المستحَقَّة.
بالطبع أصحاب الرؤى المتخلفة ليسوا كل الرجال، وليسوا الرجال فقط، فما زالت توجد نساء تقبع فى أقفاص الحريم راضية بالهيمنة الذكورية أو خاضعة لأفكار دينية مغلوطة تحطّ من شأنها وآدميتها، ومن المؤسف أن الموروث الذكورى الفاسد مستقر فى عقيدة كثير من الرجال الاجتماعية والدينية، وتغيير هذه التصورات والأفكار يحتاج إلى جهد بالغ الصعوبة يبدأ على الأقل بإنقاذ النشء الصغير من انتقال هذا الوباء النفسى والأخلاقى إليه، أما الكبار فسوف تهزمهم حركة التاريخ الذى تدير النساء فى مصر عجلته إلى الأمام، وحتى لا يكون الكلام عن الوضع الحالى مُطلَقًا ومأخوذًا على عواهنه، يمكن تأكيد صحته ببساطة من ظواهر دالَّة نعيشها وتحيط بنا، منها، على سبيل المثال لا الحصر، الملصقات الدينية التى يلصقها المهووسون فى وسائل المواصلات وحوائط المؤسسات العامة والخاصة ومدرجات الجامعات والمصالح الحكومية والمدارس، وهلم جرًّا... جزء كبير من هذه الملصقات يشير إلى الرمز السياسى الذى ابتدعوه للمرأة، وهو الحجاب، وكيف أن من لا ترتديه عاصية وفاسدة وفاسقة، ثم يلى الحجابَ بقيةُ المسلسل فى أحاديث ضعيفة، منها ما معناه أن الشيطان يصاحب المرأة من لحظة خروجها من بيتها حتى عودتها إليه. ومن ناحية أخرى فإن الرجال الذين لا يتخذون الدين ذريعة لمحاصرة المرأة واستعبادها استنادًا إلى موروث تاريخى يُعلِى نظرة ذكورية مغلوطة نحو المرأة، يتجرؤون ويخرجون على كل قواعد الإنسانية ليعتدوا على النساء والفتيات حتى الصغيرات منهن، باللفظ والإشارة والملامسة المباشرة والاعتداء بالأيدى فى أماكن أنثوية حسَّاسة، ويتصاعد الأمر حتى يصل إلى الاغتصاب! هؤلاء الأوغاد السفلة ليسوا مجرمين بالسليقة، لأنهم لم يتلقوا التربية الأخلاقية والإنسانية، بل والعلمية والمعرفية اللازمة لبناء سوىّ، وتركتهم الدولة طوال أربعين عاما منذ أنور السادات نهبًا للأفكار البالية، بعد أن انسحبت الدولة عن دورها تاركة الساحة خالية لكل مَن هَبّ ودَبّ، وقد تزايد هذا الوضع فى عهد مبارك ببشاعة. ولأن المرأة هى الحلقة الأضعف فى نظر أصحاب الأفكار الرجعية، الذين احتلوا الساحة باسم الدين، والموروثات القديمة البالية، حطت جيوش هؤلاء على النساء فى خطوة أساسية نحو احتلال المجتمع، والدليل على هذا أنه منذ الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضى كانت نسبة كبيرة من النساء ترتدى المينى جيب والبلوزات الجابونيز (التى تكشف الأذرع كاملةً) وأحيانًا الديكولتيه (الذى يكشف جزءًا كبيرًا من الصدر)، ولم يكن فى الشارع المصرى أى نوع من أنواع التحرُّش أو الاعتداء على النساء، والسبب فى هذا أن الدولة كانت تحمل مشروعًا للتقدم، وكانت معنيَّة بأن تؤدى دورها، لهذا لم يكُن فى المجتمع مكان لأصحاب الأفكار البالية أو المريضة، وكدلليل آخر فإن المجرمين الذين يتعرضون الآن للنساء بالإيذاء يفعلون هذا فى مجتمع أغلبية المسلمات فيه محجبات ومسيحياته محتشمات، ولأن المرأة فى نظرهم فى مرتبة أدنى فإن النظرة نحوها تتوقف عند حدود المتعة دون احترام لعقلها، أو مكانتها الطبيعية الواجبة، وحتى فى ما يخص المتعة فإن حقها فيها إذا تعلق الأمر بالجنس هو مناصفة مع الرجل، الذى طمسَت عقلَه عقودٌ من الانحطاط والجهل، لكن يتبقى فى النهاية أن المرأة المصرية العظيمة تخوض الآن معركتها ببسالة واقتدار معتمدة على ذاتها وعقلها الناضج النابض وتحقُّقها الذى تبنيه على أرض الواقع بالعمل الدؤوب والنجاح.
لقد تقدمت المرأة المعاصرة فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر بقرارات فوقية قفزت بها كثيرًا، لكنها هذه المرة تتقدم بالاعتماد على نفسها، لذلك لن تلحق بها ردة فى المستقبل، وما تنحته النساء اليوم فى الواقع هو باقٍ إلى الأبد.
فى يوم المرأة العالمى، كل سنة وأنت طيبة يا أمى، ويا زوجتى، ويا شقيقتى، ويا ابنتى، ويا زميلتى أو رئيستى فى العمل، ويا جارتى فى السكن، ويا صديقتى فى الحياة، ويا شريكتى فى كل موقع يقود هذا الوطن إلى الأمام.