دعا عمرو أديب إلى مهلة 6 أشهر عن الإضرابات وأن يتركوا الحكومة تشتغل، وأيّد معتز عبد الفتاح دعوة عمرو أديب بالصمت أربعة أشهر، وكذلك عندما ذهب المهندس إبراهيم محلب إلى عمال المحلة، وتحدّث إليهم من القلب، ووعدهم بحل مشكلاتهم العاجلة، ولكنه طلب ثلاثة أشهر مهلة من أجل الحلول الجذرية، وتحدّث المشير السيسى كلامًا مهمًّا فى مؤتمر شباب الأطباء، متحدثًا عن عظم المسؤولية، وفداحة المشكلات الموجودة فى البلد، وتحدّث عن الإيثار، وتحدث عن العاملين فى الخارج وعددهم 8 ملايين، وتحدث بأنهم لو بادروا وتبرّعوا بشهر من رواتبهم، لحلّوا جزءًا من المشكلة، كمثال على الإيثار المطلوب، وتحدّث عن أهمية البحث عن العطاء قبل الأخذ فى المرحلة الراهنة، وناشد ضمير الأطباء وغيرهم من العاملين بالدولة، وأننا أمامنا جيلان من العطاء، حتى يأتى جيل ثالث فيحصد ما قامت به أيدينا.
بداية، فكرة المهلة وربما تؤدّى بنا تلك النقطة إلى فكرة الإيثار، ربما أتفق مع ما دعا إليه عمرو أديب وما أيّده معتز عبد الفتاح بفكرة المهلة، أن يتخلّوا عن جزء من متطلباتهم الأساسية، ربما لن يستطيعوا أكل اللحمة فى تلك المهلة، ربما سيضطرون إلى التحامل على أمراضهم ببعض الأعشاب من عند العطار، وعلى ألم أسنانهم بنبات القرنفل، ولا داعى للدروس الخصوصية لأولادهم، والاكتفاء بمجموعات التقوية، أو المساجد، ولا داعى للتصييف فى الصيف القادم، لمن يصيّف منهم، ولا داعى لشراء ثلاجة جديدة، بدل الثلاجة المهترئة الموجودة لديهم، وربما لا داعى لملابس جديدة، ومحاولة شراء ملابس مستعملة من الوكالة، كل هذا فى تلك المهلة.
بشرط، بشرط مهم، إيه هو الشرط؟
أن يشارك فى المهلة مَن يتجاوز الحد الأقصى للأجور من المستثنين الذين استثناهم الببلاوى، وهم كثر، شركات البترول والبنوك وغيرها من الشركات، والوظائف العليا الذين يتقاضون 18 مليارًا فى السنة، نتحدّث عن سبعة آلاف مستشار، عن وظائف عليا كثيرة وعن وزراء وعن قضاة وغيرهم ممن ضمّهم الاستثناء، أن يعطونا نفس المهلة ويلتزموا بالحد الأقصى فى تلك الفترة فقط 6 أشهر، ويأخذوا 50 ألفًا فقط ويتنازلوا عن الملايين التى يتقاضونها عشان خاطر مصر، لا داعى لدفع أقساط شاليهات العين السخنة للأحفاد، وأقساط البورتوهات المتنتورة هنا وهناك فى مصر، وربما بعضهم يدفع أقساط شقق فى لندن وباريس وشاليهات فى هاواى وشاليهات فى جبال لبنان، وأن يتحمّلوا ويدفعوا غرامات تأخير تلك الأقساط فى تلك الفترة، فى هذه اللحظة تكون المهلة عادلة لمن يطلبها، تحدثنا عن نسبية السياسة، وفى النسبية يكون الرأى والرأى الآخر، ويكون التباين فى الآراء فدعنا نختلف ونتفق.
أما قضية الإيثار، فالإيثار أعلى مرتبة من العدالة، فعندما تتساوى الحقوق، وتتحقّق العدالة، فى تلك اللحظة من الممكن أن يتنازل شخص عن جزء من حقوقه لآخرين من منطلق الإيثار، ولا نستطيع أن نرتقى لمرتبة الإيثار، والعدالة غير متحققة، خصوصًا بين الدولة والأفراد، لا الأفراد بعضهم البعض، فلا بد أن تقدّم الدولة العدالة أولًا، وبعد ذلك من الممكن أن يؤثّر شخص الدولة بجزء من حقوقه العادلة التى منحته الدولة إياها، التبرع بشهر بالنسبة إلى الثمانية ملايين العاملين بالخارج، أحد التقارير تحدث عن الإمارات، وقال إن 72% من المصريين فى الإمارات لا يوفّرون، بسبب ارتفاع الخدمات الطبية والخدمات التعليمية، وكذلك السكن، وهذا واضح من الملاحظة العملية لأصدقائنا، وكنا عندما نسألهم، وإيه اللى مقعدكم هناك فى الغربة، يقولون عايشين كويس، ولن نجد هذا المستوى من المعيشة فى مصر، وبعضهم ليست لديه وظيفة فى مصر أصلًا، فمضطر إلى البقاء، و15% يستدينون لإكمال الشهر، و13% يوفرون، وهم أصحاب المواقع الوظيفية المميزة، لا أدرى إن كان المشير السيسى يدرى أن هناك عمالة مصرية فى السعودية، يتقاضى الواحد منهم 1000 ريال فقط فى السعودية أو 1000 درهم فى الإمارات، وأن لديه أسرة وأولاد يصرف عليهم فى مصر، وربما أم مريضة وأب عاجز، وهكذا، وبعضهم مؤهلات عليا، هل تطلب من هؤلاء أن يتبرّعوا براتب شهر، وزميل دراسته بالواسطة يتقاضى من أموال الحكومة 40 ألفًا أو 50 ألفًا؟! هل نستطيع أن نطلب من هؤلاء إيثار الدولة براتب شهر، لدولة ما زالت ظالمة ولم تتحقّق بها العدالة، بعد ثلاث سنوات من الثورة، العدالة أولًا، العدالة قبل الإيثار، وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.