فى أول رد فعل سلبى على أول إشارة تصدر عن «المشير عبدالفتاح السيسى» تؤكد أنه حسم أمره، وعزم على خوض المنافسة فى الانتخابات الرئاسية الوشيكة، أصدرت حركة شباب 6 إبريل - بعد ساعات قليلة من إشارة السيسى - بياناً أعلنت فيه معارضتها ترشحه، بدعوى أن ذلك «لن يكون فى صالح الوطن المنقسم، ولن يحقق أهداف ثورته، بل سيزيد الأزمة احتقاناً، ويبعدنا عن الاستقرار والتقدم المنشودين، وذلك حفاظاً على الجيش المصرى، وإيماناً بأن حماية مصر أعز من حكمها، وثقتنا بأن قواتنا المسلحة لم تتحرك ليتولى قادتها حكم مصر».
وبصرف النظر عن أن حركة شباب 6 إبريل - كما قالت وكالة رويترز - «لا تملك قواعد سياسية كبيرة يمكن أن تؤثر على فرص (السيسى) فى اكتساح الانتخابات الرئاسية، وعن أنها تعرضت خلال السنوات الثلاث السابقة لانشقاقات أدت إلى انقسامها إلى حركتين.. ثم إلى ثلاث.. فضلاً عن أن الشبهات التى أحاطت بها، فى أعقاب بث تسجيلات لبعض المكالمات الهاتفية التى كانت تدور بين بعض قادتها أثناء ثورة 25 يناير، والتى كشفت عن تورطها فى اقتحام وحرق مقار مباحث أمن الدولة، والاستيلاء على جانب من وثائقها، قد أفقدتها ما تبقى لها من تأثير على الساحة السياسية»، فإن المنطق الذى تستند إليه الحركة، سواء فى البيان الذى أصدرته أو فى التوضيحات التى قدمها المتحدث الإعلامى باسمها، فى حوار أجرته معه قناة العربية/ الحدث - يستحق المناقشة، لأنه - مع بعض الاختلافات فى التفاصيل - هو نفسه المنطق الذى تستند إليه جماعات وأحزاب مدنية أخرى.
بعض هذه الجماعات تفضل ألا يتورط «السيسى» فى تولى سلطة الحكم، ما قد يضطره لاتخاذ إجراءات حازمة تعرّض مكانته التاريخية والشعبية للاهتزاز، بينما فضل بعضها الآخر أن يظل فى موقعه كوزير للدفاع، وقائد للقوات المسلحة، ليضمن حماية الجيش للدستور ولأهداف ثورتى يناير ويونيو ولحدود الوطن، ويحول دون تكرار محاولة أخونته أو تخريبه، بينما رأى فريق ثالث أن خوضه المنافسة فى الانتخابات الرئاسية يؤكد زعم ما يسمى «تحالف دعم الشرعية» بأن ما جرى فى 30 يونيو كان انقلاباً عسكرياً، وليس ثورة شعبية، سوف يعيد مصر إلى ما يسمونه «حكم العسكر»، ويؤسس من جديد لحكم الدولة البوليسية الذى أسقطته ثورة يناير.
تلك كلها اعتراضات تبدو فى الظاهر منطقية، ولكن أصحابها يتجاهلون خبرة الثورة المصرية خلال السنوات الثلاث السابقة، بل يتجاهلون الأخطاء السياسية الفادحة التى وقعوا فيها خلالها، وقادتنا إلى ما نحن فيه.
وليس صحيحاً - كما تقول حركة شباب 6 إبريل - أن ثوار يناير رفعوا منذ البداية شعار «دولة مدنية لا عسكرية ولا دينية»، بل الصحيح أن الاثنين - العسكر والإخوان - كانا من وجهة نظر الجميع، ضمن التحالف الذى شارك فى الثورة، وساهم فى إنجاحها، إذ لولا انحياز القوات المسلحة لمطالب الثوار، ورفضها استخدام القوة ضدهم، لما نجحت الثورة، ولولا أنهم اعتبروها إحدى قوى التحالف الثورى لما أخلوا ميدان التحرير فى اللحظة التى أعلن فيها الرئيس الأسبق مبارك تخليه عن رئاسة الجمهورية، وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، ولولا ذلك لما اعتبروا تحذير الرئيس الأسبق من خطر الإخوان مجرد «فزاعة» يريد بها الإيقاع بن قوى الثورة.
ولولا السذاجة ونقص الخبرة، لما اندفع شباب 6 إبريل وغيرهم من ائتلافات شباب الثورة، وبعض القوى المدنية الأخرى، يرفعون - بعد شهور قليلة من الثورة - شعار «يسقط حكم العسكر» الذى ألقاه الإخوان المسلمون فى طريقهم ليكون هذا الشعار أول معول يضرب فى بنيان التحالف الذى قام بالثورة، ولما فات على ذكائهم السياسى المحدود، أن الإخوان يوظفونهم لكى يعملوا لحسابهم، وليكونوا بمثابة «مقاولى الهدد» الذين يتولون نيابة عنهم إخراج القوات المسلحة من ساحة الثورة، باعتبارها القوة الوحيدة المنظمة القادرة على مواجهة الانقلاب الإخوانى الذى كانوا يدبرون له، والتى لو خرجت من الساحة، فسوف تعجز بقية القوى الثورية، وفى طليعتهم مقاولو الهدد الثوريون هؤلاء، عن التصدى للانقلاب الإخوانى، أو الحيلولة دون اختطاف الثورة!
وبينما ترك الإخوان المسلمون لأصابعهم الثورية المدنية مهمة إجلاء العسكر عن الساحة الثورية، تفرغوا هم للاستعداد لغزوة الصناديق، والتخطيط للاستيلاء على أغلبية مقاعد مجلس الشعب، معتمدين على أسلحتهم الديمقراطية المجربة من كراتين الزيت إلى شكائر السكر إلى عبوات الأرز التى كفلت لهم النصر، بينما خرج الثوريون من المولد البرلمانى بلا حمص، ومع ذلك فقد واصلوا الجهاد - مجاناً، ومن دون أى مقابل مادى أو معنوى - لإجلاء العسكر من الساحة، وتمكين الإخوان من استكمال اختطافهم الثورة، فدلقوا فى أفواههم كوباً من عصير الليمون، وانتخبوا الدكتور محمد مرسى، رئيساً للجمهورية، بدعوى أنه رئيس مدنى لا يلبس العمامة، ولا يضع على رأسه الكاب، مع أن الفيصل فى هذا الأمر ليس غطاء هذا الرأس، بل ما يحتويه من أفكار.
خلاصة التجربة الثورية المصرية، خلال السنوات الثلاث الماضية، تقول إن القوات المسلحة كانت إحدى القوى الأساسية فى التحالف الذى قام بثورتى 25 يناير و30 يونيو، وإن الشرطة كانت من بين قوى التحالف التى شاركت فى الثورة الثانية، وإن الإخوان المسلمين خرجوا من التحالف الثورى، بعد أن ثبت للجميع أنهم يسعون لاختطاف ثمار الثورة، التى لم ينضموا إلى صفوفها عملياً إلا بعد أن لاحت بوادر النصر!
وكل الشواهد تدل على أن الذى مكن الإخوان المسلمين، وحلفاءهم من الجماعات الإسلامية المتشددة والإرهابية، من اختطاف ثمار الثورة - هو أنهم كانوا التيار الوحيد المنظم من بين القوى والفصائل التى شاركت فيها، على الرغم من أنه يشكل الأقلية من بينها، وشهدت فيما بعد أنهم كذلك التيار الوحيد المسلح بقنابل المولوتوف والبنادق الآلية وأطنان المتفجرات، فكان ذلك ما دفعهم لرفع شعار «يا نحكمكم.. يا نقتلكم»، فلم يعد هناك مفر من إعادة بناء التحالف الثورى لكى يضم القوى الأساسية التى شاركت فى ثورة يناير، والقوى التى انضمت إليها فى 30 يونيو، وأن يشمل هذا التحالف - فضلاً عن القوى والتيارات المدنية - القوات المسلحة والشرطة، لكى تشكل الدرع الحامية للدولة المدنية الديمقراطية، فى مواجهة عسكر الإخوان، الذين يجمعون على رؤوسهم بين العمامة والكاب، ويفتقدون الفضائل التى يتمتع بها غيرهم ممن يرتدون هذه أو ذاك!
وكان ذلك ما وعته جماهير الشعب المصرى، حين أحاطت «المشير عبدالفتاح السيسى» بمشاعرها الفياضة لأنه خلص مصر من كارثة كادت تقودها إلى محاق التاريخ، والذى يغادر موقعه كقائد للقوات المسلحة، ويخلع زيه العسكرى، خلال أيام لكى يخوض المنافسة على موقع رئيس الجمهورية كرئيس مدنى لدولة ديمقراطية!
ويبقى أن تدرك حركة شباب 6 إبريل، وغيرها من القوى السياسية المدنية التى تسير على دربها، هذه الحقيقة، حتى لا تكرر أخطاء الماضى فتختفى فى محاق التاريخ.