عندما أنهى المهندس إبراهيم محلب تشكيل حكومته خرج على الناس فقال: حكومتى بلا رجال أعمال!
ولا أحد يعرف كيف غاب عن فطنة رئيس الحكومة أن العبارة، بصيغتها هذه، إنما تشكل إدانة لطبقة أصحاب الأعمال بكاملها، دون تمييز فيها بين السيئ والحسن، ودون أن يقصد الرجل قطعاً!
وقد كان فى مقدور المهندس محلب أن يقول المعنى ذاته، ولكن بشكل مختلف.. كان فى إمكانه أن يقول ما يلى: إن حكومتى لا تضم أصحاب أعمال بين أعضائها، وإن هذا ليس لأنهم شىء سيئ فى مجملهم، وإنما لأن وجودهم فى حكومات سابقة أثار جدلاً، وكان محاطاً بشكوك واتهامات، ولهذا فأنا كرئيس حكومة، رأيت تأجيل الاستعانة ببعضهم إلى ما بعد وضع تشريع نحتاجه، ليمنع اختلاط العام بالخاص، فى حالة وجود صاحب أعمال فى الحكومة، وكم كنت أتمنى من جانبى، وأنا أشكل حكومتى، أن يكون فيها بعض أصحاب الأعمال، الذين أثق فى شرفهم، والذين أعرف أنهم يستطيعون، لو كانوا فى الحكومة، أن ينقلوا نجاحهم الخاص إلى المجال العام!
كلام بهذا المعنى، من جانب رئيس الوزراء، كان من الممكن بل من المؤكد أن يعطى إشارة إيجابية تماماً عن نظرة الدولة، عموماً، إلى أصحاب الأعمال، وكيف أنها لا تدينهم بالإجمال، ولا تأخذهم بالشبهات، ولا تأخد العاطل فيهم مع الباطل، وإنما تميز بين صالح فيهم، شأن أى فئة أو طبقة، وبين طالح!
وإذا كان هذا قد فات رئيس الوزراء، ربما بسبب ضغط اللحظة عليه، فلا يجب أن يفوتنا نحن، عندما نتابع حالة من اللغط حول أصحاب الأعمال، منذ أن قال الرجل عبارته، وإلى اليوم، دون توقف!
إن تجمع الأعمال مصاب بكل ما يمكن أن يصاب به أى تجمع آخر فى مجتمعنا، أو فى أى مجتمع، من الأطباء، إلى المحامين، إلى المدرسين، إلى الصحفيين.. وغيرهم.. ويستحيل أن يكون هناك تجمع من الملائكة بين أى فئة من هؤلاء، أو أن يكون تجمع من الشياطين.. وإنما فيه هذا، وفيه ذاك، وعلينا نحن أن نميز، حين نتكلم، وحين نتعامل معهم، وحين نصف دورهم فى المجتمع، على أى مستوى!
وعلينا شىء أرقى وأرفع، وهو أن ندرك أن سوء أى صاحب أعمال ليس مرتبطاً بمهنته، كمهنة، ولا بحرفيته، ولا بشطارته، وإنما مرتبط بأخلاقه، لأنه يمكن أن يكون صاحب أعمال يشار إليه بأطول بنان، ثم يكون بلا أخلاق، وبلا ولاء حقيقى لبلده، وبلا ارتباط أصيل بوطنه، وهو الحاصل بين أى فئة أخرى.. فأنت قد تكون - مثلاً - عالماً فذاً، وعبقرياً، وحاصلاً على نوبل فى علمك، ثم تكون بلا أخلاق، وبلا ضمير، وبلا ذمة!
إن صاحب جوائز نوبل ذاته، وهو العالم السويدى ألفريد نوبل، كان بلا أخلاق، عندما اخترع أصابع الديناميت، ولكن الأخلاق أدركته بأثر رجعى، فرصد كل ثروته لجوائز فى السلام وغير السلام، سنوياً، لعله يكفر عن انعدام أخلاقه عندما قدم اختراعه المدمر للعالم.
مجمل القول إن رئيس الحكومة عمَّم عندما تكلم عن فئة بعينها، ونتمنى أن يوضح الصورة، فى أقرب مناسبة، وألا نعمّم نحن أيضاً من جانبنا، لأن التعميم آفة الآفات.