قبل أيام سمعنا من المشير عبد الفتاح السيسى كلاما مقتضبا، لكنه حمل أقوى إشارة على اقترابه من إعلان استجابته لتيار شعبى جارف، ليس بمقدور أحد مهما بلغ من غفلة وإنكار للواقع، تجاهله أو التشكيك فى وجوده، يرغب ويتمنى أن يرى المشير السيسى رئيسا لمصر.
ورغم أن ما نطق به المشير فى سياق الكلمة التى ألقاها أمام قادة جيش مصر وطلبة الكلية الحربية وأهلهم، وصفه هو نفسه بأنه «إشارة» ورسالة ابتعدت عمدا عن التصريح الواضح، إلا أن الأمر بعدها -ما لم يطرأ تطور مفاجئ ودراماتيكى- لم يعد كما كان قبلها، أى مجرد ترجيح وتكهنات تكتسب قوتها ومعقوليتها من حقائق الواقع السياسى والاجتماعى المعقد الذى يعيشه الوطن الآن، بعد ثورتين عارمتين، جرى سرقة أولاهما على يد «عصابة أشرار» رهيبة وعاتية مدعومة بأقوى أعداء الخارج، فاضطر الشعب المصرى إلى صنع ثورة أخرى هائلة وغير مسبوقة فى حجمها وتنوعها لكى يسترد، ليس الثورة المسروقة فحسب، وإنما أصلا وأساسا لكى ينقذ البلد دولة ومجتمعا وجيشا من أسوأ مصير وأبشع مآل.
باختصار، إشارة المشير السيسى الأخيرة تقول إن استحقاق الانتخابات الرئاسية المقبل سوف يكون غالبا وحسب المعطيات الحالية، تنافسا بين مرشحين اثنين رئيسيين يتشاركان فى أنهما من قلب وصلب السبيكة الوطنية الثمينة التى صنعت ثورة 30 يونيو، أولهما الرجل «المشير» الأكثر استقطابا للتعاطف والتأييد الشعبى ويحظى عن استحقاق وجدارة بمنزلة الأبطال، والثانى هو الصديق المناضل حمدين صباحى، الذى يحمل على كاهله تاريخا كفاحيا طويلا ومشرفا من أجل وطن يزهو بالعدل والحرية والتقدم.
المفروض فى الأوضاع العادية ومراحل الاستقرار، أن لا مشكلة كبيرة فى واقعة من هذا النوع، عندما يفرض القدر وسياق التفاعلات السياسية أن يتنافس على الفوز بأصوات الناس اثنان يحملان ميزات ومؤهلات وسمات فكرية وعقائدية وسياسية متقاربة «وإن لم تكن متطابقة طبعا»، ولكن الحقيقة الساطعة التى لا سبيل لتجاهلها أننا لسنا فى وضع عادى، بل استثنائى تماما، كما أننا ما زلنا بعيدين عن الاستقرار فوق أسس المجتمع الجديد الذى حلمنا به ودفعنا -وندفع حتى الساعة- أثمانا باهظة لكى نتمكن من رؤيته قائما على أرض الواقع.
هذه الحقيقة تفرض على كل صاحب بصر وبصيرة واجب الاعتراف بأن هناك «مشكلة» فعلا قد تكبر وتتفاقم «لا قدر الله»، وتبلغ مستوى الخطر إذا لم نصارح أنفسنا بأننا حاليا نصارع ظروفا بالغة التعقيد والقسوة، ربما لم يسبق أن واجهنا مثلها فى كل مراحل تاريخنا الحديث، إذ نحن عمليا نعيش هذه الأيام فى أجواء «حربين» ضروسين فريدتين نخوضهما فى وقت واحد، أولاهما تلك الحرب القذرة المجرمة التى تشنها علينا «عصابة إخوان الشياطين» وقطعان المخربين القتلة من أتباعها، تحت رعاية وبدعم لا محدود من أسيادهم فى الخارج، والحرب الثانية هى بناء الوطن المحرر والنظيف من القهر والظلم والفساد والجوع والتأخر.
هاتان الحربان ليس لنا فيهما خيار غير النصر المبين، الذى أهم ضروراته وأقوى وألزم شروطه أن نتمسك بوحدتنا الوطنية ونعض عليها بالنواجذ، ونجاهد أنفسنا لكى نبقيها صلدة متينة تستعصى على أى شق أو شقاق.. غير أن هذه الضرورة وذلك الشرط لا يبدو -للأسف الشديد- أن توافرهما سيكون مضمونا فى ظل خارطة الترشيحات الرئاسية المتوقعة حتى الآن.. كيف، وما الأخطار ودواعى القلق المحتملة؟
اسمحلى أن أبوح بالإجابة غدًا إن شاء الله.