من يعرف طبيعة العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجى، يدرك- بلا شك- أن قرار السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائهم لدى قطر لم يكن قرارًا سهلًا، وأنه يعنى- من ناحية- أن الدور الذى تلعبه قطر لتخريب المنطقة قد أصبح مكشوفًا بكل جوانبه، ويعنى- من ناحية ثانية- اليقين بأن هذا الدور لا يتم لمصلحة عربية أو خليجية أو حتى قطرية، وإنما يتم لحساب قوى أكبر تعبث بأمن المنطقة واستقرارها.
كان البعض لوقت طويل يتصور أننا أمام دويلة تبحث عن مكان لها على الخريطة السياسية بعد أن رزقها الله ثروة بترولية لا تعرف ماذا تفعل بها، والآن، وبعد التجربة المريرة لقطر والتى عانت منها دول الخليج والدول العربية كلها، يبدو الأمر واضحًا، ليدرك الجميع أن حكام قطر ليسوا إلا أدوات فى أيدى قوى أكبر ينفذون مخططاتها ويعملون لحسابها.
هكذا.. عندما كان مطلوبًا دعم بن لادن و«القاعدة» لاستخدامهم فى الحرب بالوكالة على أرض أفغانستان المنكوبة، فتحت «الدوحة» ذراعيها وخزائنها لهم! وعندما انتهت المهمة فى أفغانستان وأصبح مطلوبًا استخدام «العائدين» من هناك لزعزعة أمن واستقرار دول الخليج والدول العربية.. بدأت «الجزيرة» حملاتها ضد السعودية ودول الخليج، وأصبح خطابها هو خطاب بن لادن الذى أعلن الحرب على الأجانب فى المنطقة، لتكون المفاجأة بعد ذلك هى تحول قطر إلى مركز للقوات الأمريكية فى المنطقة، ولتقام فيها أكبر قواعد عسكرية أمريكية فى الخارج، ولتكون قاعدة «السيلية» نقطة الانطلاق فى كل عدوان وقع بعد ذلك على الدول العربية.
وعندما كانت التعليمات هى الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد فى سوريا ونظام القذافى فى ليبيا، تحالف حكام قطر معها، وأصبحت «الجزيرة» منبرًا لهذا التحالف، وعندما جاءت التعليمات بالانقضاض على النظامين قاد حكام قطر حملة تدمير البلدين!
الفشل القطرى فى أداء المهام الموكولة إليهم فى سوريا وليبيا، ثم فى مصر بعد ذلك، أدى إلى حصول أمير قطر السابق حمد ورئيس وزرائه على «استمارة رقم 6» ليتسلم الحكم أحد أبنائه وهو «تميم»، لكن السياسات مضت كما هى.. عداء لمصر ومشاركة لجماعة الإخوان الإرهابية فى التآمر عليها، وامتداد للتآمر على الأشقاء فى دول الخليج بلا مراعاة لعلاقات تاريخية تربط بين الشعوب، ولا إحساس بمدى الأخطار التى تهدد المنطقة ولا تستثنى أحدًا.
قبل يومين من قرار سحب السفراء كانت محكمة إماراتية تصدر حكمًا بسجن أحد القطريين شارك فى تكوين خلية إخوانية فى الإمارات، وفى نفس الوقت كان انفجار إرهابى يودى بحياة ثلاث ضحايا ويصيب عددًا آخر فى البحرين، وكانت إحدى الضحايا من رعايا دولة الإمارات، وكان عبث التنظيمات الإرهابية يمتد إلى اليمن وحدود السعودية، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى دعم إيرانى وإلى دور قطرى مشبوه لم تعد دول الخليج قادرة على التسامح معه أو الصبر عليه.
الغريب أن رد قطر على سحب السفراء كان يؤكد أن الخلاف هو على قضايا غير خليجية! أى أنه كان يحاول تبرئة النظام القطرى من التآمر على أشقائه فى مجلس التعاون، وكأن القرضاوى كان يوجه حديثه المبتذل والمنحط من منبر مسجد فى مالطا وليس فى الدوحة! وكأن حكام قطر يقولون إن التآمر من جانبهم على باقى الدول العربية «وأُولاها مصر» مباح، وعلى الأمة العربية كلها «شعوبًا وحكومات» أن تغض الطرف، وتصفق لدعم قطر للإرهاب الذى يضم «الإخوان» إلى جانب «القاعدة» لأن السيد الأمريكى يريد ذلك!
تقول الأنباء إن جهودًا للوساطة ما زالت تُبذل من دول شقيقة مثل الكويت، مصير الوساطة لن يختلف عن وساطة سابقة أدت فى نوفمبر الماضى إلى اتفاق وقّعه «تميم» حاكم قطر لإنهاء دعم الإخوان وجماعات الإرهاب والحملة على مصر، وقّع «تميم» الاتفاق ولم يفعل شيئًا.
المشكلة أن القرار بالنسبة إلى قطر ليس فى الدوحة، بل فى مكان آخر، فكل ما يفعله حكام قطر هو تنفيذ الأوامر التى تصدر من واشنطن، يتصورون أن القواعد الأمريكية ستحميهم إلى الأبد.. ولو عرفوا لأدركوا النهاية مبكرًا، وفهموا أنهم كانوا طوال السنوات الماضية يمارسون الصعود إلى الهاوية!