أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، سحب سفرائها من قطر احتجاجًا على التدخل القطرى فى الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، وهى خطوة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجى الذى يجمع هذه الدول الأربع مع الكويت والبحرين.
ومن جانبها ردت قطر بإبداء الدهشة والاستغراب من القرار، مؤكدة أن الخلاف يرجع إلى الموقف من قضايا خارج دول مجلس التعاون الخليجى، وأن قطر لم تخرج على مبادئ وأسس العمل بين دول المجلس، وتضمن البيان القطرى أيضا أنها لن ترد بسحب سفرائها من الدول الثلاث، لأنها تريد الحفاظ على الروابط مع الدول الشقيقة.
يعود الخلاف فى جذوره إلى السياسات القطرية العدائية تجاه مصر ودور قناة «الجزيرة» القطرية التحريضى ضد نظام الحكم فى مصر واستضافة قطر قيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين، والتى صنفتها مصر كتنظيم إرهابى، إضافة إلى إطلاق لسان يوسف القرضاوى فى هجومه على مصر والتحريض ضد الجيش المصرى. أيضا يعود الخلاف إلى التدخل القطرى فى الشؤون الداخلية البحرينية وإثارة القلاقل هناك ضد الأسرة الحاكمة. أيضا لم تتورع قطر عن التدخل بشكل مباشر وغير مباشر فى الشأن السعودى الداخلى، الأمر الذى سبّب درجة عالية من التوتر بين قطر وباقى دول مجلس التعاون الخليجى وتحديدًا الدول الثلاث التى أقدمت على سحب سفرائها معًا وفى توقيت واحد.
فى تقديرى أن قصة قطر هى قصة دويلة صغيرة تكاثرت أموالها التى تجنيها من بيع الغاز الطبيعى، ونظرًا لصغر المساحة وقلة السكان، بحثت قطر عن لعب دور خارجى فاعل يجعل منها مركزًا للأحداث فى المنطقة، لذلك استقبلت قطر على أراضيها أكبر قاعدتين عسكريتين فى المنطقة، هما «السيلية والعيديد» وهما القاعدتان اللتان استخدمتا فى ضرب العراق واحتلاله، وأنشأت قناة «الجزيرة» وخصصت لها ميزانية ضخمة وأطلقتها على الدول المستهدفة، وتمثلت بالأساس فى الدول الكبيرة فى المنطقة، مصر والسعودية والإمارات وكان الهدف الأبرز لها زرع القلاقل فى البحرين لما بينهما من خلافات تاريخية.
نسجت قطر علاقات مع تيار الإسلام السياسى بصفة عامة وكانت لها روابط مع الجماعات المسلحة، عززت من هذه الروابط إدراكًا منها للحاجة إلى هذه الجماعات فى اللعبة الإقليمية وما يمكن أن يعود على قطر من زيادة فى النفوذ، لم تتوقف حدود العلاقة مع تيار الإسلام السياسى والجماعات المتشددة فى العالم العربى، بل تجاوزتها إلى روابط مع هذه الجماعات والتنظيمات فى دول آسيوية مثل باكستان وأفغانستان والهند والشيشان، ووصلت إلى قلب منطقة البلقان فى البوسنة وكوسوفو. ولعب الشيخ يوسف القرضاوى دورًا محوريًّا فى ترتيب هذه الشبكة من العلاقات.
كثفت قطر من تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة فى الشؤون الداخلية للدول العربية مع بدء موجة ما سمى بالربيع العربى، حيث استخدمت شبكة «قنوات الجزيرة» فى التحريض على الخروج على الأنظمة تحت دعوى
«الثورة» عليها، طبعًا مبررات الثورة موجودة داخل البلدان العربية التى شهدت احتجاجات على الأنظمة، كما أن الشعارات والمطالب التى رفعتها الثورة لا سيما فى مصر، هى شعارات مبررة ومنطقية وتعكس مطالب حقيقية، لكن ما نود التأكيد عليه هنا هو الاستغلال القطرى لهذه الاحتجاجات من أجل أجندة إقليمية ودولية تصوَّر النظام القطرى أنها تحقق الطموح الخاص بالمكانة والدور.
لعبت دول مجلس التعاون الخليجى، لا سيما السعودية والإمارات، دورًا كبيرًا فى محاولة ترشيد الدور القطرى، بل وحماية قطر، باعتبارها دولة خليجية، من شرور هذه السياسات، فطلبت الرياض وأبو ظبى من مصر فسحة من الوقت لإعادة ترشيد السياسة القطرية وشددتا على أن انتقال الحكم من الأب إلى الابن سوف يؤدى إلى تغيير السياسة القطرية العدائية، كما طلبتا مهلة من الوقت حتى يتمكن الأمير الجديد من ترتيب أوضاعه وتغيير النخبة الحاكمة وإبعاد نخبة الأب التى أفسدت الأجواء، بل وسممتها، وفى تقديرى أن قرار الرياض، وأبو ظبى والمنامة بسحب السفراء من الدوحة هو إعلان رسمى بفشل جهود ترشيد السياسة القطرية ومؤشر واضح على أن سياسات الأمير الجديد هى نفس السياسات القديمة بكل شرورها ومفاسدها، والتى ستجعل قطر، تلك الدويلة الصغيرة على مياه الخليج، منبوذة من بيئتها الإقليمية.