شباب مصر الحر القابع الآن فى زنازين أقسام وسجون مصر- يفضح حقيقة من يحاولون العودة لحكمنا، ويكشف أن النظام لم يتغير بعد، ويحاول بكل قوة استعادة نفوذه وقوته وشبكة مصالحه، وأيضا سياساته القمعية، ولم تعد تنطلى على أحد حجة «دولة القانون»، فدولة القانون لا تلفق الاتهامات، ودولة القانون لا تنكل بالمحبوسين، ودولة القانون لا تديرها الأجهزة الأمنية، ولا ينتظر أصحاب القرار توصياتها وتعليماتها، دولة القانون لا تظلم.. دولة القانون التى يدعون أن هؤلاء حبسوا لأجلها، رغم أنهم ناضلوا، وهتفوا، وثاروا من أجل دولة قانون حقيقى تحاسب المجرمين لا الثوار.
كنا، ومازلنا، وسنبقى ضد الإرهاب، وكنا، ومازلنا، وسنبقى مع حرية الرأى والتعبير السلمى، دونما أى تناقض بينهما فى الموقف.. كنا، ومازلنا، وسنبقى ندعم الدولة فى مواجهة مخططات ومؤامرات تفكيكها وانهيارها، لكن أيضا كنا، ومازلنا، وسنبقى ندعو، ونسعى لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد والظلم ومن الفاسدين والمجرمين.
ويخطئ هؤلاء الذين يدعون أنه لا معتقلين فى مصر الآن، وإنما متهمون، فمئات الشباب، وربما الآلاف منهم، يقبعون خلف السجون، لا لشىء إلا لأنهم عبروا عن رأيهم المضاد، لاستعادة سياسات دولة مبارك، وهم متهمون بأشرف تهمة، وهى الانتماء للثورة التى أسقطت هذا النظام، فلا هم كانوا يوما مجرمين، ولا كانوا يوما عملاء، ولا كانوا يوما تابعين للإخوان، بل كانوا طرفا شريكا فى إسقاطهم، ولا كانوا يوما إرهابيين يحملون سلاحا، ويمارسون عنفا.
ويخطئ هؤلاء أيضا حينما يتصورون أنهم يستطيعون الاستمرار فى ظلمهم كثيرا، وحينما يعتقدون أن مخططهم فى تضليل الشعب وتزييف وعيه سيواصل نجاحه، فأسْرُ هؤلاء وما يلاقونه من عنت وشعور بالظلم مجرد نواة، وفى مصر الآن آلاف الأسر التى تدرك حجم ما يجرى من ظلم وتلفيق لشباب انتمى للثورة ولحلم بوطن أفضل وأجمل، وهذه الدائرة تتسع يوما بعد الآخر، ولم يعد ممكنا استمرار إخماد الشعور بالظلم الذى هو بذاته أكبر جريمة تخلق تربة للتطرف والعنف والإرهاب، رغم أن منفذيها يكذبون بادعائهم أنهم هكذا يواجهون الإرهاب!
هذه دولة فاشلة، وسلطة فاشلة، تلك التى لا تدرك الفارق بين الإرهابى وبين صاحب الرأى، والتى تتناسى أنها جاءت بفضل إرادة شعبية ثورية شارك فيها هذا الشباب بدور رئيسى ومبادر، والتى تعيد إنتاج نفس السياسات والخطايا بنفس الأسلوب، دون أن تتعظ من درس سابقيها.. أما هؤلاء الذين يقبعون خلف القضبان، فهم حقا من يحررون هذا الوطن ووعيه وثورته مما كبلها وغل حركتها، وغدا سوف يتحررون، ويسجنون سجانيهم. وإن غدا لناظره لقريب. سجنكم يحررنا، يحرر وعينا، ويعيد فرز المواقف بوضوح، ويكشف بجلاء عن طبيعة ما نواجهه، وما ينتظره هذا الوطن على أيدى من يدعون حمايته، كنتم دائما فى طليعة المنادين بالتغيير، الساعين لمواجهة الظلم، المنحازين لحقوق الناس وحرياتهم.
أنتم بصمودكم وصلابتكم داخل سجون الظلم أقوى كثيرا من سجانيكم، وأنتم بتماسككم وقوتكم تجددون الثقة واليقين لدى كثير من المحبطين. الغصة فى الحلق من تقصيرنا وعجزنا تجاهكم، لكنكم تعلمون دون شك أن ضمائرنا تهفو إليكم، وتثقون بأننا نؤمن بأن حريتكم هى تحرير الوطن، وأن الانتصار لقضيتكم هو ذاته الانتصار لخط الثورة ومسارها.