نحن فى مصر لا نرى طوال الوقت إلا التفاصيل التى ترضينا وتستهوينا من الصورة، ولا نلتفت لبقية الصورة وأى تفاصيل أخرى ولا نراها أصلا.. ففى الحرب مع أو على الإخوان.. لا نرى إلا برامجنا وشاشاتنا وصحافتنا التى تصرخ طوال الوقت تؤكد انتصارنا وخلاصنا من جماعة إرهابية.. بينما لا نمد أبصارنا أبعد قليلا من أقدامنا لنرى بقية الصورة والتفاصيل التى يراها غيرنا وليست تشير بالضرورة إلى انتصارنا، بل تنحاز إلى الإخوان الذين نجحوا فى إقناع آخرين بما يريدونه ويحاربون من أجله.. هم انشغلوا بالتخطيط لكسب عقل العالم ومشاعره واستعانوا بخبراء أجانب، بينما اكتفينا نحن بحربنا العالمية ضدهم داخل مدينة الإنتاج الإعلامى ومطابع صحافتنا.. أما فى حرب انتخابات أنديتنا.. فنحن أيضا لا نرى فى تلك الصورة إلا خطابات الفيفا المزعومة والمزورة، ونكتفى بها مقتنعين بأن مسؤولى الفيفا لم يعد يشغلهم فى الحياة إلا أن يبقى حسن حمدى فى الأهلى ويعود عباس للزمالك وألا تقام انتخابات فى الزهور وسبورتنج.. وكأن مصر أصبحت أهم بلد فى الدنيا.. وليس ذلك صحيحا بكل أسف.. فالفيفا فى حقيقة الأمر ليس مشغولا بمصر وأنديتها إلى هذا الحد لأن لديه ما هو أخطر وأهم.. وأقصد تلك الكارثة الإنسانية الكروية فى قطر.. وحقوق الإنسان التى اغتالتها الدوحة بدم بارد، لدرجة أن بلاتر اضطر للتأكيد على أن الفيفا لا يمكنه تجاهل ذلك.. فهناك أكثر من خمسمائة عامل هندى فقير وأربعمائة عامل نيبالى ماتوا وهم يبنون الملاعب الجديدة استعدادا لاستضافة مونديال 2022.. وليس من المهم هنا ما قاله بلاتر.. أو ما سيقوله البرلمان الأوروبى، الأسبوع المقبل، حين سيبدأ تحقيقا إنسانيا عالميا بشأن ما يجرى فى قطر.. إنما المهم الآن هو الالتفات إلى ما قاله ولايزال يقوله المحامى الألمانى ثيو سوانزينجر، رئيس الاتحاد الألمانى السابق لكرة القدم، عضو اللجنة التنفيذية للفيفا حاليا، والمعترض على كثير من الأمور داخل الفيفا..
فقد قال سوانزينجر إنه جاء الوقت لتتدخل فيه السياسة حرصا على سلامة وإنسانية كرة القدم.. وإنه يطالب كل الحكومات التى تتعامل مع قطر وأميرها بالضغط حتى تضطر الإمارة البترولية الصغيرة لاحترام حقوق الإنسان حتى لو كان مهمشا وفقيرا.. وإلا سيضطر كونجرس الفيفا، العام المقبل، لسحب مونديال 2022 من قطر ومنحه لأى دولة أخرى قادرة على استضافته.. وفوجئت بـ«ثيو» يتحدث ثلاث مرات هذا الأسبوع لثلاث صحف ألمانية وبريطانية عن نقطتين فى غاية الأهمية.. الأولى هى مناشدته كل الأطراف خارج الفيفا التصدى لقطر مثل الحكومات والمنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية، وأيضا كل أندية الكرة المحلية.. رجل القانون الألمانى اعتبر الأندية المحلية فى العالم أطرافا خارج الفيفا ولا تربطها به أى علاقة رسمية، وليس كما يفتى كذبا المتاجرون بالفيفا هنا فى مصر طوال الوقت.. أما الأمر الثانى فهو أن تحقيقات كشف الفساد داخل الفيفا لاتزال مستمرة، وهو ما يعنى ضرورة إبلاغ الرجل رسميا بكل التلاعب باسم الفيفا الذى دفعت- ولاتزال تدفع- ثمنه مصر كدولة وأيضا ككرة قدم.