لا أحد شاهد المشير السيسى وهو يلقى كلمته فى الكلية الحربية إلا وزاد ارتباكاً.. صحيح أنه أزال بعض الشكوك حول مسألة ترشحه، لكنها كانت إشارات، ولم تكن صريحة مريحة، تصاحبها حالة من الابتهاج العام.. الطريقة التى تكلم بها المشير خلقت جواً من الخوف.. فجرت مجموعة من الأسئلة.. لعل أهمها: ماذا هناك؟.. ما الذى يخفيه المشير؟.. فى النهاية، متى يترشح وتنتهى الحكاية؟!
منذ شهور، انتظر الرأى العام هذا الإعلان.. قطاعات كبيرة تحركت تجمع التوكيلات.. ظهرت حركات تدعو لترشحه على غرار حركة تمرد.. أبرزها حركة كمل جميلك.. ومنها أيضاً حملة السيسى رئيساً لمصر.. حدث كل هذا حتى جاء التغيير الوزارى، وتصاعدت وتيرة التوقعات بخروج السيسى ليعلن ترشحه للرئاسة، ولم يحدث.. وأخيراً حدثت تسريبات بأن يعلن الخبر الأهم من الكلية الحربية!
كانت أصعب نصف ساعة سمحت بها الشؤون المعنوية من كلمة السيسى.. ملامح وجه الرجل كانت قاسية.. تخلو من الحنان الذى تميز به.. لغة الجسد تنم عن أزمة داخل نفس المشير.. استرجع من جديد ما دار بينه وبين المعزول قبل 30 يونيو.. إحساسى أنه خطاب بعد حصر للخسائر البشرية.. إحساسى أنه كان ينظر لكل شاب فى مصنع الرجال.. إحساسى أنه كان يتحدث كأب، أكثر منه قائداً للجيش!
لم نخرج بشىء جديد.. حديث الظهر معلوم مسبقاً.. ربما كان تكراراً لحديث سابق.. قال من قبل: لا أستطيع أن أدير ظهرى عندما تطالبنى غالبية الشعب بالترشح.. الآن قال: سنترك الأيام المقبلة لتشهد «الإجراءات الرسمية».. توقفنا كثيراً عند جملة الإجراءات الرسمية.. لا ندرى إن كان يتحدث عن قانون الانتخابات الرئاسية، أم عن تعيين وزير جديد للدفاع وقادة للجيش.. أم يتحدث عن كل ذلك معاً!
مرتان ظهر فيهما السيسى بهذه الطريقة.. الأولى حين جمع قادة الجيش، بعد مذبحة رفح الثانية، المتهم فيها حبارة وشركاه.. المرة الثانية أمس الأول فى الكلية الحربية.. صحيح أن الفارق كبير فى الحالتين.. لكن وزير الدفاع، فى المرتين، كانت على كتفه مسؤولية عظيمة.. فى المرة الأولى كانت عنده رغبة فى الثأر لجنوده المذبوحين.. فى المرة الثانية عنده شعور عال بالمسؤولية كمرشح للرئاسة!
بالتأكيد هناك ضغوط دولية، وهناك معلومات عن رد إرهابى محتمل على قرار الترشح.. من هنا كان هناك استشعار للمخاطر.. كانت هناك رغبة فى تفويض جديد.. طلبه على استحياء، حين ذكّرنا بتفويض الدفاع الجوى لمحاربة الإرهاب.. لم ينتبه إليه كثيرون.. أظنها محاولة أخرى للتأكيد على أن ما حدث ثورة شعبية وليس انقلاباً.. كأن المشير يضع الشعب أمام مسؤولياته كى لا تبدو لحظة حماسة!
اختيار الكلية الحربية كان مدروساً للغاية، حين قرر أن يتحدث عن الجماعة الإرهابية، وحين أراد أن يعلن ترشحه للرئاسة.. هناك دلالات مهمة لاختيار المكان.. طلب التفويض الأول من الدفاع الجوى، وأعلن الترشح من الكلية الحربية.. يبعث برسالة واحدة: هنا مصنع الرجال.. هنا الكلية الحربية (!)