صباح الأحد الماضى انفجر على مواقع التواصل الاجتماعى وعلى المواقع الإخبارية، خبرٌ يقول نصه: «أكد المقدم محمد إبراهيم الخبير الأمنى، أن القوات المسلحة نجحت فى اختراع مادة تحول الطرق غير الممهدة إلى طرق متساوية فى دقائق ولتمهيد الطرق بالفضاء، موضحا أن وكالة (ناسا) للفضاء طلبت من مصر إجراء مفاوضات واتصالات لشرائها. وأضاف خلال مداخلة هاتفية لبرنامج (القاهرة 360) الذى يقدمه الإعلامى أسامة كمال عبر فضائية (القاهرة والناس) أن هذا الاختراع يمكن استخدامه فى استصلاح الأراضى والفضاء، مؤكدا أن هذا الجهاز سيقلب الدنيا رأسا على عقب، وأن جهاز المخابرات المصرية كان يتابع عن كثب الاختراعات العلمية التى كان يعلن عنها فى الصحف، لاختيار ما يناسب الأمن القومى للبلاد».
انتهى الخبر اللغز ووقعنا جميعًا فى نفق التخمينات المظلم، من يكون هذا السيد الخبير الأمنى؟ ما مدى مصداقيته؟ كيف فى غفلة من الزمان تنهمر علينا كل هذه الاختراعات والاكتشافات والابتكارات؟
لماذا يتحدث رجل لا يعرفه أحد فى موضوع خطير كهذا؟
إذا كنا لم نهضم بعد خبر اختراع جهاز علاج فيروس سى فلماذا التعجيل بخبر المادة الغامضة التى تمهد حتى الفضاء؟
غادرنا نفق التخمينات المظلم ونحن ثلاث فرق، فرقة تدافع عن (الاختراع) كأنه حقيقة كونية لا تقبل الشك، وفرقة تسخر وتسرف فى التجريح، حتى إن تجريحها طال الوطن ذاته، وفرقة تقول: «تمهلوا فلربما كان تحت العمامة شيخ». تواصَل تطاحُن الفرق الثلاث حتى ظُهر الأحد، الذى شهد انفجار خبر آخر يقول نصه: «نفى العقيد أركان حرب أحمد على، المتحدث العسكرى، ما نُشر فى بعض وسائل الإعلام حول نجاح القوات المسلحة فى اكتشاف مادة تحول الطرق الوعرة إلى طرق متساوية، وأن العديد من الدول الأجنبية حاولت شراء هذا الاكتشاف، موضحا أن الكلام المذكور عار تماما عن الصحة وصادر من أشخاص ليس لهم صفة رسمية داخل القوات المسلحة.
وأوضح على، فى بيان له، الأحد الماضى، أن القوات المسلحة تسعى إلى إطلاع الرأى العام على أى ابتكار أو اختراع جديد يفيد الشأن العام والقطاعات المدنية، وذلك من خلال أجهزتها المعنية بالتواصل مع وسائل الإعلام. وناشد المتحدث العسكرى، وسائل الإعلام تحرى الدقة والموضوعية فى كل ما تنشره من أخبار وموضوعات تخص القوات المسلحة، وعدم التعامل مع مصادر تدّعى كذبًا علاقتها بالمؤسسة العسكرية، حفاظًا على منظومة الأمن القومى المصرى».
هل حسم النفىُ القاطعُ المعركةَ؟ الإجابة للأسف هى «لا» لقد صب النفى مزيدًا من الزيت على النار، فقد تفرعت بسببه أسئلة أخرى من عينة هل الخبر الأول كان «بالونة» اختبار؟ هل هو قنبلة دخان يراد بها صرف الأنظار عن شىء ما يتم الترتيب له؟ كيف تسمح القوات المسلحة لكل من هب ودب أن يورطها فى أخبار مثيرة وخطيرة دون أن يرجع إليها؟ لماذا كثرت فى الفترة الأخيرة تصريحات تثير البلبلة مثل هذا التصريح.
أسئلة كثيرة ولا إجابة من الجهة المسؤولة، فإلى متى يتم التلاعب بمشاعر الشعب ومصالحه؟ ولمصلحة من يجرى كل هذا العبث، وهل تلك الأكاذيب تنطلق من أرضية معادية للقوات المسلحة؟ أم أنها تنطلق وفق اتفاق ما غامض لا نعرف عنه شيئًا.
كان النفى سيكون حاسمًا ويوقف كل تلك المهازل لو تضمن تأكيدًا على أن كل من تسوِّل له نفسه التصريح بمعلومات مغلوطة تخص القوات المسلحة أو المصالح العليا للدولة سيتم تقديمه لمحاكمة عاجلة، ولكن للأسف اكتفى المتحدث العسكرى بالمناشدة الرقيقة، التى لا تصلح مع أمثال هؤلاء الذين يتبرعون بنشر أكاذيب لا نعرف ما الهدف من نشرها فى مثل هذه الأيام التى نعيشها بأعصاب تكاد تحترق من كثرة ما نشهده من رعونة وتعثر فى خطواتنا السياسية، وهو الأمر الذى جعل كثيرين يستخدمون المصطلح الشائع «اشتغالة» الذى يعنى عند مستخدميه أن كل ما يجرى ليس سوى مجموعة من الأكاذيب، حتى إن بعضهم يقترح تغيير اسم الوطن ذاته ليصبح جمهورية الاشتغالات العربية بدلا من جمهورية مصر العربية.