تقوم الدعاية للرئيس القادم على أنه سوبرمان.
وكان المرسى بالنسبة إلى الإخوان «سوبرمان» أو حامل أقنعته نيابةً عن سوبرمان حقيقى رابض فى مكتب الإرشاد.
ومع المرسى أو صاحب الأقنعة انكشفت حقيقة أنه لا سوبرمان فى هذا البلد..
هناك قطاعات تنتظر السوبرمان.. وأخرى تروِّج له لأنه يمثّل لها «البابا» الجديد للمصالح.
الجماهير العريضة ستختار على أساس مواصفاتها فى «السوبر» الذى سيطير فوق الواقع المعقد ويحملهم إلى بر الأمان. بينما المهتمون بالسياسة فعلًا أو كتابةً والحالمون بدولة تسقط من يوتوبيا الأعالى فإنهم يدققون فى تفاصيل المسار الديمقراطى.. وتصطف الصفوف خلف رفض «العسكرة» أو «تمدينها».. أو ماذا سيفعل المرشح المدنى فى بلد يختار سوبرمانه الكاكى؟
فى انتظار المعجزة لا شىء واقعيا فى الواقع تقريبا. كل حدث يتحول إلى كارثة منفوخة بالحشو التاريخى لمفاهيم متصارعة بعد سنوات سكون طويلة.. صراع ديَكَة، لا أصول ولا فهم فيه. لكنها انحيازات تبدو قدرية تنتهى كلها «بهذه طبيعة المصريين..».. نهايات تبدو حاسمة، لكنها مثل ضغط الفرامل فى سيارة قبل المنحنى فإنها لا توقف السيارة لكنها تقودها للخطر.
عندما وصل المرسى للحكم قلنا إن السوبرمان لا يصلح رئيسًا.. لأن وجوده خطر على الدولة/ وعلى نفسه.
والدول التى تعبر ماضيها الاستبدادى/ أو تريد الخروج إلى نهار البشرية لا أن تقيم فى عتمة أبدية تحت ظلال ديكتاتور أو سوبرمان سيعجز بعد قليل عن الوفاء بوعوده الخارقة/ وسيصبح عبئا على الدولة/ لن يصبح أمامها إلا القمع وتحويل الدولة كلها إلى مهمة واحدة فقط هى تأمينه وحمايته باعتباره المعجزة.
السوبرمان عبء على الدولة وليس حلا لها، وأيام المرسى وبعد الخروج من الحكم الانتقالى الأول قلنا إن الحياة أوسع من ممرات المرشد والمشير. هما من بقايا نظام انقرض، ولا يزال يمسك بأظافره الميتة كل التفاصيل. الحياة أوسع. هذا ما فعلته ثورة حطمت أسوارا، ليصبح من الممكن الخروج بلا خوف إلى مغامرة خارج الروتين اليومى، خارج التوافق مع أجهزة استبداد تبدأ من سرير النوم ولا تنتهى عند باب المقبرة.
تستقبلك العائلة بكل خوفها وتعاليمها فى السير بجوار الحائط، ويسلّمونك إلى مشايخ يفرضون سلطتهم عليك باعتبارهم وكلاء الله، وبينهما مندوبو السلطة، من الرئيس المعلق على كل جدران المصالح الحكومية، إلى الموظف المقهور الذى يعيد تصدير قهره فيك شخصيا. هكذا تحاصرك أجهزة الاستبداد، والثورة حررت الجزء الحى الذى كان يمارس حريته بعيدا مع أصدقاء له، أو أمام شاشة الكمبيوتر، أو عبر قراءة أو من خلال فيلم أو موسيقى أو قصة حب تتحرر فيها من التعليمات بقوة المشاعر.
الثورة حررت الفرد من مصير القطيع، ولهذا تبدو الحياة متسعة بعيدا عن سطوة الجنرال الذى اعتاد الأوامر، والمرشد القائد، إلى دروب الجنة على الأرض وفى السماء. المعركة بين المرشد والمشير تدور فى الأروقة، بينما الشارع يتسع، وتُفتح جهاته الأربع، رغم قلة الخبرة، على صراعات مع عشاق العودة إلى الروتين اليومى، ومع شعار «خراب يا دنيا، عمار يا دماغى»، وهو شعار الهروب الشهير من التفكير فى ما هو أبعد من السير فى قطيع العبيد، الذين يحركون ماكينة تدور من أجل صنع السلطة والثروة للعصابة الصغيرة.
التنافس إذن على مَن تصبّ عنده ماكينة العبيد، ولهذا كانت تروّج مقولات عمّا يحمله خيرت الشاطر من استثمارات الخليج أو آسيا، ليحل محل شطار نظام مبارك. الثورة كانت بالنسبة إلى المرشد وأتباعه مجرد إحلال واستبدال للنظام القديم، بينما الثورة فى الشوارع تتمرد على زمن القطيع السياسى، وتغيير العلاقة بين الحاكم والشعب.. والمرشد قبل المشير يتصوّر أنّ من حقه فرض الوصاية على الشعب لتحقيق مصلحته. وهذه كانت لعبة الجماعة فى الانتخابات، إذ وعدت الشعب بتغيير الوصىّ لا إنهاء الوصاية. هنا وقع التصادم وقرر المشير، الوصىّ الأصلىّ أن ينهى مسرحية المرشد الوصىّ البديل، ويوقفه قليلا فى حرب باردة لن تسخن إلا عندما يجد المرشد أنّها خطر على التنظيم، ويرى المشير أنّها المبرر النبيل للانفراد بالوصاية. والحياة ليست عند المرشد أو المشير. الحياة فى مكان آخر، إذ يتحرر العبيد ولا يطالبون بتحسين شروط عبوديتهم، حيث النضال من أجل حياة سعيدة ليس إلا.