انتهينا، أمس، إلى أن ليبيا باتت بالفعل دولة فاشلة، بمعنى أنه لا توجد حكومة مركزية تسيطر على كامل التراب الوطنى الليبى وتفرض سيادتها على الجميع، وبمعنى سيطرة ميليشيات مسلحة عديدة على الوضع هناك. ويفرض هذا الوضع تحديات كبيرة على الدولة المصرية، منها ما هو حالى وعاجل يتطلّب المعالجة السريعة بل والتدخّل الفورى، ومنها ما يتطلب بناء استراتيجية قومية للتعامل مع هذه الحالة للحد من العواقب السلبية التى تترتب على مثل هذه الحالة. بداية نؤكّد أن حالة الفشل التى تمر بها دولة من الدول هى حالة ممتدة وتأخذ وقتًا طويلًا وعادة ما تستمر لمدة عقود، أيضًا فإن أراضى الدولة الفاشلة عادة ما تكون مسرحًا لوجود عشرات المنظمات والجماعات المختلفة الانتماءات وأجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية المختلفة، وعادة أيضًا ما توظّف واحدة أو أكثر من هذه الجماعات لصالح أو ضد دولة من دول الجوار.
إذا نظرنا إلى الواقع القائم فى ليبيا اليوم، فسوف نجده يتّسم بالتعقيد الشديد بالنسبة إلى مصر، فهناك عمالة مصرية ضخمة تعمل على الأراضى الليبية وتتعرّض لتحديات ضخمة تصل إلى الخطف والقتل على الهوية الوطنية والدينية، ولا توجد جهة مركزية فى ليبيا يمكنها ضبط الوضع هناك أو تقديم ضمانات، ومن ثَمّ يبدو واضحًا أن هناك تحديًا ضخمًا أمام الدولة المصرية يتطلّب تحركًا فاعلًا لنقل مئات الآلاف من المصريين إلى أرض الوطن، هذا فى الوقت الذى تتواصل فيه أعمال القتل الإجرامية بحق المصريين هناك، الأمر الذى يفرض تحديًا كبيرًا على الدولة المصرية ويتطلب منها التحرّك الفورى العاجل لإنقاذ حياة مصريين يوجدون على أراضى ليبيا، وإعادة مئات الآلاف إلى أرض الوطن. كيف يحدث ذلك؟ أتصور أنه يمثّل تحديًا كبيرًا للدولة المصرية فى الوقت الراهن، لا سيما أن القضية معقّدة من زاوية مدى حرية الحركة المتاح أمام الدولة المصرية فى وقت لم تتخلّص فيه بعد من التحديات الأمنية الداخلية. البعض يطالب الدولة المصرية بالتدخل العسكرى لردع المنظمات الإرهابية التى تقتل المصريين هناك، والبعض الآخر يطالب بجسر جوى لإعادتهم إلى أرض الوطن، وفى تقديرى أن الخيار العسكرى غير وارد على الأقل فى الوقت الراهن، وحفاظًا على علاقة ما مع الشعب الليبى الذى لا علاقة له بما يرتكب بحق المصريين. يمكن للدولة المصرية أن ترتب الأمر مع جهات ليبية مختلفة على نحو يضمن خروجًا آمنًا للمصريين من هناك دون أن يعنى ذلك إسقاط أى من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية بصفة عامة وفى القلب منها الأداة العسكرية التى ستوجّه فى هذه الحالة ضد الميليشيات لا ضد الشعب الليبى.
القضية الأبرز والأهم هنا تتعلق بكيفية التعامل بعيد المدى مع دولة جوار عربية تحوّلت إلى دولة فاشلة، استوطنتها جماعات العنف والإرهاب وتوجد على أراضيها تنظيمات متشددة وجماعات سياسية على رأسها تنظيم الإخوان، هذا التنظيم الذى تلقّى ضربة قاضية على يد الشعب المصرى وقواته المسلحة، وفشل فشلًا ذريعًا فى استعادة نفوذه أو عرقلة خارطة الطريق لما بعد ٣٠ يونيو. هذا التنظيم كان يتباهى بأن لديه على الأراضى الليبية ما سماه جيش مصر الحر، على غرار الجيش السورى الحر، يتلقّى التدريبات هناك، وكان مخططًا فى حال استمرار الإخوان فى السلطة أن يعود كى يكون نواة جيش الجماعة. فشل الإخوان فى مصر وأصبحت مناطق واسعة فى ليبيا مأوى لهم ومقرات لشن الحرب على الشعب المصرى والدولة المصرية، فالجماعة تقف وراء عمليات خطف وقتل مصريين مسيحيين يعملون فى ليبيا، والهدف هنا الانتقام من الأقباط لمشاركتهم فى ثورة ٣٠ يونيو، فشلوا فى تفجير فتنة طائفية فى مصر رغم كل الجرائم التى ارتكبوها بحق الأقباط وكنائسهم، فقرروا الانتقام من المصريين بصفة عامة ومن الأقباط بصفة خاصة، ومن هنا جاءت الجرائم بحق مصر والمصريين على الأراضى الليبية.
المؤكد أن فشل الدولة الليبية يقتضى من الحكومة بعد إعادة المصريين من هناك، إغلاق الحدود مع ليبيا تمامًا وتشديد الرقابة عليها، فسوف تكون هذه الحدود مصدر التهديد الرئيسى للأمن القومى المصرى فى الفترة القادمة، بعد أن تتحوّل إلى بؤر لتجمع التنظيمات الإرهابية والمسلحين من شتى أنحاء العالم.