تلقيت 3 رسائل تنطوى كل رسالة منها على قضية لابد أن تؤرقنا فى يقظتنا، وفى منامنا، وأن تحظى منا جميعاً، ثم من كل واحد فينا، بما يليق بها من اهتمام، وإنصات، وانتباه:
الأولى من المهندس شريف عفت، وفيها يقول: أذكر، وتذكرون معى، شعار «الإسلام هو الحل» وهو شعار واعد، وجذاب، أو أنه كان كذلك، خاصة فى دولة مثل مصر، ولكن إشكاليته لم تكن أبداً فى الإسلام بقدر ما كانت فى المسلمين أنفسهم، وبعد اختفائه أيام حكم الإخوان، ظهر بيننا من يردد كالبغبغان شعاراً آخر، ليس أروع من الأول، وهو: «الديمقراطية هى الحل».. غير أن السؤال الذى يطرح نفسه هو: الديمقراطية لمَنْ؟!.. هل هى الحل لشعب نصفه لا يقرأ ولا يكتب؟!.. ومَنْ يستطيع القراءة منهم لا يقرأ، وإذا قرأ لا يجد فى الغالب إلا صحافة كاذبة، مغرضة، أو قصصاً وروايات منفلتة تافهة، فى مواجهة إرهاب مجرم نجس، وأجهزة مخابرات عديدة تعبث بأمن البلد؟!.. إن الشعارين معاً، ليسا إلا وجهين لعملة واحدة فالصو!
والثانية من الدكتور حسن الببلاوى، الأمين العام للمجلس العربى للطفولة والتنمية، معقباً على ما كنت قد كتبته فى هذا المكان، عن أن التعليم يجب أن يكون هو العمود الفقرى للبرنامج الانتخابى لأى مرشح رئاسى.. يقول: فى كتابه المهم «نصف العالم الآسيوى الجديد» يؤكد مؤلفه المفكر الآسيوى البارز «محبوبانى» أن دول آسيا، خصوصاً اليابان، سنغافورة، كوريا الجنوبية، الصين، ماليزيا، لم تحقق تقدمها إلا بتنفيذ سبعة مبادئ أساسية اقتبستها من الغرب، وهى: حرية السوق، العلم والتكنولوجيا، الجدارة والكفاءة الشخصية للفرد، ثقافة السلام، سيادة القانون والتعليم، البراجماتية.. ثم أضاف «محبوبانى» العدالة الاجتماعية كمبدأ مهم جداً، إلى المبادئ السابقة، وهو لا يتحقق إلا بإنجازها، ولذلك، فالتعليم يظل جزءاً من منظومة ورؤية تنموية شاملة، تتكون من ثمانية أعمدة متفاعلة، التعليم أحدها.. وينتهى د. حسن إلى أن المغالاة فى جعل التعليم، بداية ونهاية لكل شىء، ينشأ عنها إغفال الشرط الضرورى لبناء تعليم حقيقى وتربية حقيقية فى مجتمعنا، ألا وهو التنمية الشاملة المتكاملة، أو على الأقل بالمعنى الذى أوردناه عند «محبوبانى».!
وأما الثالثة فمن الدكتور محمد عبدالحميد شعير، عميد هندسة عين شمس الأسبق، وفيها يقول: تقول الحكومة إنها تدعم الطاقة بـ128 مليار جنيه سنوياً، والرقم فى تصاعد، ولكنى لا أعلم حجم الدعم لى شخصياً، ولا لأسرتى، فى كل سلعة أو خدمة تدخل الطاقة فيها، ولا يعلم أهل أى طالب، حجم الدعم الذى يحصل عليه فى مدرسته أو جامعته، وكذلك الحال فى تذكرة المترو، أو العلاج فى أى مستشفى!
ويقول: طبعاً مَنْ يقرأ ما سبق سوف يقول إننا نتلقى خدمات سيئة فى جميع المجالات، وهذا حقيقى، لأن الدولة تدعمها لتكون بهذا المستوى فقط، وليس عندها ما يجعلها فى مستوى أعلى!
ولذلك، فلابد أن نعرف أن هناك ثلاثة أسعار لأى منتج تقدمه الدولة مدعماً: السعر المقدم للجمهور ويقال إنه مدعم، والسعر دون دعم بنفس الجودة المقدمة حالياً، ثم السعر دون دعم بمعايير قياسية محددة، وبالجودة التى من المفترض أن تسعى الدولة إليها.. فالمواطن يشترى تذكرة المترو - مثلاً - بجنيه، ولكنها تتكلف على الدولة 3 جنيهات، بمستواها كخدمة، حالياً، ثم إن سعرها يصل تقريباً إلى خمسة جنيهات، لو أردنا لها أن تكون عند مستوى خدمة ممتازة.
ويرى د. شعير أن ترشيد هذا الدعم يبدأ من اللحظة التى يعلم فيها المواطن أن سعر متر المياه الذى يهدره هو فى بيته، يصل إلى 10 جنيهات، ولكنه يباع له بـ23 قرشاً، وأن طالب الجامعة يدفع 33 جنيهاً مصاريف دراسية، وتدعمه الدولة بأكثر من ستة آلاف جنيه سنوياً.. وهكذا.. وهكذا!
نقطة البداية، إذنْ، أن نكتب على كل سلعة أو نرفق بأى خدمة سعرها الذى يدفعه فيها المواطن، ثم تكلفتها الحقيقية على الدولة، وعندها يمكن أن يبدأ ترشيد هذا الدعم، بتحريك الأسعار تدريجياً، حسب تأثير كل منتج أو خدمة، فى السوق، وبالتالى يتناقص الدعم المقدم من الدولة، بشكل تدريجى، لنصل إلى الوضع الطبيعى الذى تعرفه كل الدول المتطورة.
وكما ترى، فهذه ليست مجرد ثلاث قضايا عادية، فى ثلاث رسائل.. إنها ثلاث قنابل فى عمود واحد لعلنا ننتبه!