الشباب لم يعد هناك ما يرضيه!! لم يعد هناك ما يُسمى لديه بالوطن أولا! الشباب صار صورة مثالية لمرحلة المراهقة، غاضب دومًا، رافض دائمًا، معترض طوال الوقت، كثير الحماس، قليل المعرفة، عصبى الرغبة فى إثبات الوجود، طموحاته أعلى من سقف إمكانياته، تطلّعاته تفوق خبراته، ما يريده له الأولوية، بغض النظر عن النتائج والتداعيات. كل من ربى أبناءً، وصلوا إلى سن المراهقة يدرك هذا، واختبره جيّدًا. مرحلة يمكن أن يدمّر فيها المراهق حياته ومستقبله، وهو يسعى لإثبات ذاته... والمراهقة ليست مرحلة عمرية، بقدر ما هى مرحلة عقلية عاطفية انفعالية، قد تصيب أى شخص، فى أى مرحلة من العمر، عندما يزيح عقله جانبًا، من باب الغضب أو الانفعال، ويسمح لعواطفه بالسيطرة على كيانه، وبأن تكون هى المحرّك الأوّل لتوجّهاته.. ومن أسوأ عيوب وأسس هذه المرحلة، هى أن صاحبها الغائص فى مستنقعها، ينفعل أكثر وأكثر، كلما حاولت تنبيهه إلى ما يتورّط فيه، وتصبح المرحلة أشبه بالرمال الناعمة، كلما قاومتها، ابتلعتك أكثر وأكثر... وعلى الرغم من أن السبب الرئيسى للمرحلة هو الإصرار على إثبات الذات، فإنها تحوّل الغائص فيها إلى شخص انفعالى بلا شخصية، يمكن لأى شخص معسول الكلام، يجيد التلاعب بالمشاعر ودغدغة الأحاسيس، أن يقوده أمامه كجزء من قطيع أعجم، متصورًا أنه يؤدى دورًا عظيمًا فى الحياة.. أن يحوّله إلى معول هدم عنيف، مقنعًا إياه بأنه يقوم بدور أعظم بنّاء فى التاريخ... ففى هذه المرحلة يكون المراهق فكريا أشبه بكوب معدنى... قوى... له رنين مرتفع... ولكنه فارغ... وربما لهذا يمكن ملؤه بأى شىء، فالكوب الممتلئ لا يمكن ملؤه، أما الكوب الفارغ فهو ممتاز لملئه بما تريد، خصوصا لو أنه معدنى قوى، وله ورنين مرتفع... وعلم المؤامرات، الذى أدرسه باهتمام، منذ ثلاثة عقود، يعتمد فى أساسه على لعبة مزج الحقائق، أو إعادة صياغة المفاهيم، وعلى الاستعانة بالأكواب الفارغة، لملئها بالمفاهيم المغلوطة والمحوّرة، بحيث تتحوّل إلى ما يشبه الأسلحة الفاسدة، التى تنفجر فى وجه من يطلقها، فيتحوّل بها إلى سلاح فى وجه وطنه، وهو يتصوّر أنه يحميه!!
أكتب هذا لأن شبابنا، بكل طاقاته وحماسته وقدراته، لا بد أن يحسب حساباته جيّدا، وأن ينتبه إلى المؤامرات التى تحاك لمصر وطنه به.. لا بد أن يسمع ويقرأ ويفلتر ويحلّل ويحسب؛ لأن سقوط الوطن على يديه هو عار لن يمحوه عته الزمن أو التاريخ، ولن يغفره له ضميره نفسه، عندما يستيقظ معه، من هول ما يمكن أن يقود وطنه ونفسه إليه... الشباب لا بد أن يستيقظ، وأن يدرك أن أعظم شخص، فى كل مجال، لم ينشأ من فراغ، بل من عقل وحكمة ومثل عليا اقتدى بها... لا بد أن يدرك الشباب أيضًا أنه حتمًا لم يبلغ مرحلة المعرفة والحكمة بعد، وإلا فما الذى يمكن أن يكتسبه، فى ما تبقى له من عمر، إن كان الذين يسعون للحكمة والمعرفة، من أضعاف عمره، لم يبلغوها بعد، وقد لا يبلغونها أبدًا، لأن الحكمة لا ذروة لها، والأحمق فقط من يتصوّر أنه يملكها، أو أنه يستطيع هذا... والأكثر حماقة منه هو من يتصوّر أنه على حق «حتما»، دون احتمال للخطأ؛ لأنه بهذا يكون فى قمة الخطأ، والحماقة والفشل، و.... للحديث بقية.