دعا رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب إلى وقف الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات فى هذه الفترة التى تحتاج إلى تضافر الجهود لتجاوز الأزمة الاقتصادية وبدء عملية البناء. وتعهد محلب بأن يأخذ مطالب العاملين بكل جدية مؤكدًا أنه يعى تمامًا ضغوط الحياة ومتطلبات المعيشة.
دعوة رئيس الحكومة تحتاج إلى قدر كبير من الثقة المتبادلة بين كل الأطراف، بعد فترة ساد فيها مناخ من عدم الثقة نتيجة الإفراط فى الوعود التى لا تتحقق. وغياب الرؤية التى تحدد الأولويات، والبرامج التى يتم الالتزام بها لتحقيق الإصلاح.
وإذا كانت الأضواء تتركز الآن على قضية الحد الأدنى للأجور، فإن هناك ما هو أهم وأخطر.. فهناك مشكلات القطاع العام الذى طال إهماله عمدًا لكى يتم التخلص منه بتراب الفلوس! وهناك صناعات كاملة مثل الغزل والنسيج تتعرض للانهيار وهى تستوعب ملايين العمال الذين يصرخون فى المحلة وكفر الدوار لكى يعملوا، ولكى يتم تفعيل برامج الإنقاذ الموجودة فى أدراج المسؤولين! وهناك الأخطر وهو الملايين من الأيدى التى ينبغى أن تكون جزءًا من طاقة الإنتاج، فإذا بها تعانى البطالة التى كادت تصل نسبتها إلى ٢٠٪ لتمثل القضية التى ينبغى أن تكون لها الأولوية لدى الحكومة ولدى المجتمع كله.
التركة ثقيلة، والحكومات المتعاقبة كانت تتعامل بمنطق «عسكرى المطافى» الذى يطفئ الحرائق بعد أن تشتعل، وليس بمنطق الإدارة الحكيمة التى تبنى علاقات عمل جيدة تعطى العمال حقوقهم وتأخذ منهم أقصى ما لديهم من طاقة، وأفضل ما يمكن أن يقدموه من إنتاج.
التركة ثقيلة، ويزيد من وطأتها أننا لا نتحرك إلا بعد أن تنفجر الأوضاع.
نترك شركات القطاع العام ضحية الإهمال وفساد الإدارة والنهب المنظم للمال العام، ثم نستغرب حين يخرج العمال مطالبين بإنقاذ الشركات التى يعملون بها ويحصلون على لقمة العيش منها! ونترك القطاع الخاص يلعب خارج القانون مستغلا فساد الإدارة الحكومية! ونترك العمال بلا تنظيم حقيقى يدافع عن مصالحهم ويتفاوض بالنيابة عنهم!
لم نتعلم من الدرس الأليم الذى تلقيناه بعد ثورة يناير، حين تركنا الإخوان يستولون على الثورة، وتركنا الدولة القديمة كما هى.. بكل فسادها وانحيازها ضد الفقراء ومحدودى الدخل. كنت أتصور أن تكون بداية تصحيح الأوضاع بعد ٣٠ يونيو أن نعيد تشكيل نقابات العمال والنقابات المهنية بالانتخاب الحر، وأن نتجه بعد ذلك إلى انتخابات جديدة للمحليات تضع شباب الثورة فى قلب إدارة الدولة وتعدّهم للمهام الأخطر وليتسلموا الحكم بعد أن يكتسبوا الخبرة ويعايشوا الواقع فى هذه التنظيمات الأساسية.
لكننا تركنا كل شىء على حاله. والنتيجة، فى ما نتحدث عنه اليوم، أننا أمام طبقة عاملة بلا قيادة حقيقية تمثلها وتتفاوض باسمها وتدافع عن حقوقها. الاتحاد الرسمى للعمال والنقابات التابعة له لم تعد تمثل إلا نفسها، وكل خمسة يجتمعون معًا يقولون إنهم نقابة مستقلة. وحين تنفجر الأوضاع يتهرب الجميع من المسؤولية ولا تجد طرفًا مسؤولا يتحدث باسم العمال ويتفاوض على حقوقهم.
أعتقد أن الصديق العزيز كمال أبو عيطة قد أعد قبل رحيله عن وزارة القوى العاملة الصيغة شبه النهائية لقانون الحريات النقابية. وسواء صدر القانون قريبًا أو تأجل، فإن ما لا يمكن تأجيله هو الإعداد فورًا لانتخابات عمالية تتم بعد انتخابات الرئاسة مباشرة، تفرز لنا قيادات عمالية معترفًا بها، تستطيع التفاوض- من مركز القوة- على حقوق العمال.
تجربة المهندس إبراهيم محلب فى «المقاولون العرب» تعطى نموذجًا يمكن احتذاءه، فقد تسلَّم شركة توشِك على الإفلاس، فأعاد إليها مكانتها كأكبر شركة مقاولات فى مصر. سينجح إبراهيم محلب لو جعل من كل الشركات التى تعانى، والمصانع المهددة بالتوقف.. صورة أخرى لنجاح تحقق فى «المقاولون العرب» بجهود العاملين ومساندة الحكومة، وعلاقات عمل تحكمها الإدارة المحترمة، وليس منطق «عسكرى المطافى» الذى يأتى بعد اندلاع الحرائق!