تعبير الدولة الفاشلة هو تعبير علمى وسياسى أيضا، ويعنى فقدان الحكومة المركزية سيطرتها على كل أنحاء البلاد، وانتشار الجماعات والتنظيمات فى أرجاء البلاد المختلفة، وسيطرة كل جماعة وفصيل أو تيار على منطقة جغرافية معينة. الدولة الفاشلة هى الدولة التى تنتشر فيها الجماعات والتنظيمات المسلحة بطول البلاد وعرضها، ولا تمتلك جيشا مركزيا، وإنما مجموعة من الجماعات المسلحة تسلم لبعضها البعض بمناطق نفوذ وسيطرة، تراقب بعضها البعض، كل جماعة وتنظيم يقيم علاقاته الإقليمية والدولية كما يريد، يحصل على المساعدات والسلاح، وتراقب الجماعات والتنظيمات المسلحة بعضها بعضا، وعندما تدرك جماعة أو تنظيم ما أنها باتت من القوة بحيث يمكنها السيطرة على مزيد من الأراضى، تتحرك لتوسع مناطق نفوذها، وعادة ما تعجز أى جماعة عن بسط سيطرتها على الدولة ككل، وما يحدث عادة هو تبادل النصر والهزيمة بين هذه الجماعات إلى أن تسلم بالأمر الواقع. والدولة الفاشلة عادة ما تمثل خطرا على الدول المجاورة، فالتنظيمات المنتشرة على أراضيها عادة ما تسلك سلوك العصابات والميليشيات، وتصدر الاضطراب والفوضى إلى دول الجوار عبر الاتجار فى السلاح وكل الأنشطة الممنوعة، وعادة ما تكون علاقة جماعات ومنظمات الدولة الفاشلة سيئة ومتوترة بدول الجوار، فلا توجد دولة تقبل بدولة فاشلة على حدودها، لسبب بسيط هو عدم وجود حكومة مركزية تتعامل معها، بل تتعامل مع مجموعة من التنظيمات المسلحة التى تتصارع معا لكسب مزيد من الأرض والنفوذ. لا توجد دولة حقيقية تحترم القانون الدولى وتعمل على دعم الأمن والاستقرار فى الإقليم، تقبل بوجود دولة فاشلة على حدودها أو إلى جوارها، صحيح أن تدخلات دول الجوار يمكن أن تقود إلى فشل دولة ما مجاورة، ولكنها فى الإجمال لا تفضل استمرار هذا الوضع لفترة طويلة، فوجود الدولة الفاشلة يعنى غياب الأمن والاستقرار فى المنطقة، وبمرور الوقت يجرى الإضرار بمصالح دول الجوار، وتبدأ الأخيرة فى دفع ثمن وجود دولة فاشلة على حدودها. كثيرة هى الدول الفاشلة فى عالم اليوم، وأكثر منها على طريق الفشل، وتعد الصومال اليوم المثال النموذجى للدولة الفاشلة، فمنذ سقوط نظام حكم سياد برى عام ١٩٨٩، تفكك الصومال وتحول إلى أقاليم تسيطر عليها جماعات مسلحة قبلية ودينية، فيها حكومة معترف بها لا تسيطر سوى على العاصمة، وتتعرض لغزوات من الجماعات المختلفة، بها برلمان يضطر إلى عقد الاجتماعات فى المطار الذى توفر له الأمن قوات الاتحاد الإفريقى، وإذا كانت إثيوبيا قد لعبت دورا فاعلا فى دفع الصومال إلى حالة الدولة الفاشلة، فإنها، أى إثيوبيا، تعانى اليوم من هذه الحالة وتتعرض قواتها العاملة ضمن قوات الاتحاد الإفريقى فى الصومال لهجمات نوعية من الجماعات المسلحة، التى تنطلق من عداء تاريخى بين الشعبين الإثيوبى والصومالى.
كل دول الجوار للصومال تعانى اليوم من الحال هناك، لا سيما بعد أن مارست جماعات صومالية عمليات قرصنة على السفن المارة أمام السواحل الصومالية، ووصلت هذه العمليات إلى مستوى تهديد الملاحة من وإلى البحر الأحمر. من السهل جدا دفع الدولة إلى وضعية الفشل، ولكن من الصعب جدا استعادة الدولة بعد فشلها، ولذلك يبدو منطقيا استمرار حالة الفشل فى الصومال رغم محاولات الاتحاد الإفريقى دعم حكومة مركزية فى العاصمة، فرغم كل هذه الجهود تعجز الحكومة مع قوات الاتحاد الإفريقى عن مجرد تأمين العاصمة.
كثيرة هى الدول الفاشلة فى عالم اليوم والأكثر منها تلك التى تعد على شفا الفشل، وفى تقديرى أن ليبيا التى تقع على حدودنا الغربية مباشرة سقطت فى فخ الفشل، وباتت بالفعل دولة فاشلة تنطبق عليها كل معايير فشل الدولة، وهو أمر يمثل خطرا شديدا على الأمن القومى المصرى، ويشكل تحديا خطيرا للدولة المصرية التى بات عليها من اليوم أن ترسم سياسة متكاملة للتعامل مع دولة فاشلة على حدودها الغربية، فماذا عسى مصر أن تفعل فى هذه الحالة، بمعنى ما عناصر السياسة المصرية المطلوبة للتعامل مع واقع وجود دولة فاشلة على حدودنا الغربية؟